مراد وهبة
في 28 أيلول (سبتمبر 1970) مات عبدالناصر ومات معه كل من الاتحاد الاشتراكى الذي كان معبراً عن النظام السياسى لحكم الضباط الأحرار والتنظيم الطليعى الذي كان معبراً عن طموح عبدالناصر في تأسيس نظرية ثورية تتجاوز دليل العمل الثورى إذ إن الدليل لا يصلح أن يكون بديلاً عن العمل الثورى. وفى هذا السياق أسس «مجلة الطليعة» الذي كان هو صاحب امتيازها وبالتالى فإنها لم تكن خاضعة لأية رقابة. وكنت قد حاولت في تأسيسى لملحق «الفلسفة والعلم» بالمجلة تكوين نخبة تكون قادرة على بلورة النظرية الثورية على أساس علمانى إلا أن السادات لم يكن راغبًا في السير في هذا السياق فأغلق المجلة. وكان بديل المشروع العلمانى بزوغ الجماعات الدينية، أو بالأدق الأصولية الإسلامية التي كانت تعبر عن ذاتها في مجلتى «الاعتصام» و«الدعوة» وتتجاوب آراؤها مع آراء المفكر الاسلامى الباكستانى «أبوالأعلى المودودى» صاحب نظرية واضحة المعالم للمجتمع الإسلامى وللحكومة الإسلامية.
وقيمة المودودى ليست في أنه المنظّر للأصولية الإسلامية فحسب وإنما أيضا في أنه المؤسس للجماعات الإسلامية في العالم الإسلامى برمته. ومؤلفه المؤثر في هذه الجماعات عنوانه «الحكومة الإسلامية» يحدد فيه خصائص هذه الحكومة. فالحاكم الحقيقى، في هذه الحكومة، هو الله، والسلطة الحقيقية مختصة بذاته تعالى وحده. ويترتب على ذلك أن ليس لأحد من دون الله حق في التشريع. فجميع المسلمين ليس في إمكانهم أن يشرعوا قانونًا، وليس في إمكانهم أن يغيروا مما شرع الله لهم. ولهذا فالقانون الذي جاء من الله هو أساس الدولة الإسلامية. والحكومات التي بيدها زمام هذه الدولة لا تستحق طاعة الناس إلا من حيث إنها تحكم بما أنزل الله وتنفذ أمره تعالى في خلقه. ومن هنا فالدولة الإسلامية دولة «ثيوقراطية ديمقراطية» على حد تعبير المودودى.
وهو بذلك يعنى أن الديمقراطية مقيدة بسلطان الله. ومن هذه الزاوية فإنه يرى أن الثيوقراطية الإسلامية مباينة للثيوقراطية المسيحية التي كانت تستند إلى طبقة من الكهنة تشرع للبشر قانونًا من عندها حسبما شاءت أهواؤها، وتسلط ألوهيتها على أهل البلاد متسترين وراء القانون الإلهى. أما في الثيوقراطية الإسلامية فالذين يقومون بتنفيذ القانون الإلهى في الأرض لا يكون موقفهم إلا كموقف النواب عن الحاكم الحقيقى. ولهذا فإن الإسلام يستعمل لفظ الخلافة بمعنى أن كل من قام بالحكم في الأرض تحت الدستور الإسلامى يكون خليفة الحاكم الأعلى. ويزيد المودودى الأمر إيضاحًا فيقول إن الديمقراطية العلمانية الغربية تزعم أنها مؤسسة على سلطة الشعب، ولكن ليس كل الشعب مشاركًا في التشريع أو إدارة الحكم. ثم إنها فصلت الدين عن السياسة بسبب «العلمانية» فلم تعد مرتبطة بالأخلاق، هذا بالإضافة إلى أن مفهوم العلمانية غريب على الإسلام. وخطأ المودودى، هنا، هو في تصوره أن العلمانية تعنى فصل الدين عن الدولة، ذلك أن العلمانية، في جوهرها، هي التفكير في الأمور الإنسانية من خلال ما هو نسبى وليس من خلال ما هو مطلق، أي «التفكير في النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق»، أي عدم مطلقة ما هو نسبى.
نقلا عن المصرى اليوم