سليمان شفيق
بعد تصريحات ابي احمد التي هدد فيها مصر تقريبا بشأن بناء سد النهضة ، ورد الخارجية المصرية عليها ، وبعيدا عن تلك التصريحات التي تتناقض مع مواقف رئيس الوزراء الاثيوبي'> رئيس الوزراء الاثيوبي السابعة والتي اقسم فيها بعكس ما يهدد به الان في اقل من عامين ، تري ما هو الدافع وراء هذا التغير ؟ لذلك لابد من التوقف امام التغيير الداخلي والعوامل التي دفعت رئيس الوزراء لذلك .
خلال اقل من العام بعد رأسة ابي لمجلس الوزراء ، استطاع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في انهاء ميراث العداوات والخلافات بين المكونات القبلية والدينية في المجتمع، وبين اثيوبيا وجيرانها، وكان التحالف الحاكم قد اختار أبيي أحمد"مسلم " لرئاسة الحكومة ليكون أول رئيس للوزراء ينتمي إلأورومو، أكبر مجموعة إثنية ، مما يجسد ، محاولة أعادة ولادة إثيوبيا حرة من كل تمييز ديني او اثني اوجنسي من جهة او استقواء ابي ببعض المكونات القبلية والدينية في مواجهة الاخري .
البداية كانت في افراج ابي احمد عن المعتقلين السياسيين 756 معتقلا في مصالحة وطنية ، وسمحت لكل المعارضة في المنفي بالعودة ،وعادت بالفعل "قيادات جبهة تحرير أرومو المتحدة" وهي (جبهة كانت تعارض الحكم لاسباب دينية وقبلية ) الي اديس ابابا وتشارك والحوار مع الحكم لبناء نظام اثيوبي جديد علي كافة الاوجة القبلية والدينية والسياسية ، كل ذلك ادي الي محاولة أغتيال لة في 22 يونيوالعام الماضي .
وتوالت الاحداث ،حيث تم منتصف نوفمبر الماضي ،اعتقل السلطات الإثيوبية 63 من الجنرالات والموظفين في قضايا فساد طالت مشروع سد النهضة، وانتهاكات لحقوق الإنسان، في تحقيق استمر خمسة أشهر، اي علي اثر تولي ابي احمد رئاسة الوزراء .
وكان ابي احمد في البدء ، قام بالمصالحة التاريخية بين أديس أبابا وأسمرا لتنهي نزاع اقترب من ربع قرن ، بعد توقيع "إعلان أسمرا"، ووقّع أبي أحمد، والرئيس الإريتري أسياس أفورقي "إعلان سلام وصداقة" مشترك في أسمرا، أوائل يوليو الماضي ، وكان ذلك اكبر المصالحات ، ولتنهي الحرب بينهما .(الغريب ان ابي حاز علي جائزة نوبل للسلام وليس بالمشاركة مع اسياس ).
ونجح أبي أحمد في فتح خط تصالحي جديد مع مصر واستطاع أن يحقق تحولا غير مسبوق في العلاقات بين البلدين، وذلك خلال أول زيارة له إلى القاهرة في 10 يونيوالعام الماضي، وقد اتفقا الطرفين علي رؤية مشتركة بينهما ، تبني علي احترام حق مصر واثيوبيا في التنمية ومياة النيل دون المساس بحقوق الاخر ، وأصدر السيسي عفوا رئاسيا لـ30 إثيوبيّا من المحكوم عليهم بالمحاكم المصرية، ليغادر المفرج عنهم القاهرة على طائرة رئيس الوزراء الإثيوبي.
وعلي صعيد الخلافات القبلية ، البداية كانت من إقليم الصومال الإثيوبي شرق إثيوبيا في الـ7 من أبريل الماضي ، بهدف إنهاء نزاع حدودي مع إقليم "الأرومو" اندلع في سبتمبر 2017، وأسفر عن سقوط قتلى وجرحى ونزوح نحو 600 شخص إلى إقليم "هرر"، واستطاع أبي أحمد أن يوفق بين شعبي الإقليمين بشكل غير مسبوق.
ثم زار أبي أحمد، مدينة "أمبو"، مركز المعارضة بإقليم "الأرومو"،والاساس للمظاهرات والمعارضة ضد النظام ، ثم انطلق الي اقليم تقراي وتوقف في مدينة مقلي والتقي قادتها واعطاهم حق الامان والسلام، وفي نفس الشهرابريلزارمدينة جوندر في إقليم أمهرا وحقق تهدئة للأوضاع،واستطاع ان يوقف اعمال العنف ، واخيرا ذهب الي مدينة أواسا لينهي العنف القبلي هناك ، حيث يعيش 56 قومية يشكلون حوالي 70% من القوميات والقبائل الاثيوبية .
نعود الي التعددية الدينية في اثيوبيا : وطبقاً لآخر إحصاءٍ وطني للسكان 2007 ،يشكل المسيحيون 66.5% مِنْ سكانِ البلادِ (43.5 % أرثوذكسي أثيوبي، 19.3% طوائف أخرى كبروتستانت وكاثوليك)، مسلمون 30.9%، وممارسو المعتقداتِ التقليديةِ 2.6% ـ كتابَ حقائق وكالة المخابرات المركزيةِ الامريكية ــ.
المسيحية أرثوزكسية لَها تاريخ طويلة في إثيوبيا تَعُودُ إلى القرن الأولِ، ولها حضور مهيمن في وسط وشمال إثيوبيا، والبروتستانتية لَها وجود كبير في جنوب وغرب إثيوبيا. هناك أيضا مجموعة قديمة صغيرة مِنْ اليهود، (يسمون ب بيت إسرائيل)، يَعِيشُون في شمال غرب إثيوبيا، مع ذلك أكثرهم هاجرَ إلى إسرائيل في العقود الأخيرة للقرنِ العشرين كجزء مِنْ مهماتِ الإنقاذِ التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية، عملية موسى والعملية سليمان يَعتبٍر بَعْض العلماءِ الإسرائيليينَ واليهودِ هؤلاء اليهود الأثيوبيينِ بأنهم القبيلة الإسرائيلية المفقودة، وبدأ الاسلام في اثيوبيا 615 م ، ويصل عدد المسلمين الي 25 مليون ويعد الديانة الثانية بعد المسيحية . اما عن التعدد القبلي والعرقي فالقومية الأمهرية: تنتشر في شمال البلاد، تقدر نسبتها بـ 25%، حكمت البلاد لعقود، ومن أبرز السياسيين الذين ينتمون إليها الإمبراطورهايليسيلاسي، وقبله الإمبراطور مينيليك (1889-1913)، وبعده نظام “ديرج” لمينغيستوهايلي مريم هيمنت هذه القومية على جميع القوميات الأخرى وجعلوا لغتهم لغة البلاد الرسمية، استعادت السلطة من التجريين الذين يقطنون ولاية تجرى بوصول مينيليك الثانى إلى الحكم عام 1889 ، والأمهرية هي لغة جمهورية إثيوبيا الفدرالية الديمقراطية، حيث تعتمد في المراسلات الرسمية، وهي لغة الجيش الإثيوبي ولغة الماركات التجارية وغيرها.
القومية الصومالية: تقدر نسبة هذه القومية بنحو 6.2%، ويقطن سكانها في إقليم أوغادين الذي يعرف بالإقليم الخامس بحسب التقسيم الإداري الإثيوبي، وقد ضُمَّ إلى إثيوبيا منذ عام 1954.. تنتمي الغالبية العظمى من السكان إلى الأعراق الصومالية، وخاصة قبيلة الأوغادين إحدى قبائل الدارود، كما توجد فيه جماعات الدناكل، وهناك جالية عربية استقرت في المنطقة واختلطت بالسكان منذ عهد قديم. طائفة تيغراي: تقطن منطقة صغيرة تقع على حدود البلاد الشمالية مع إرتيريا، تشكل نحو 6.1% من سكان إثيوبيا، ورغم ذلك فهي العرقية التي تحكم إثيوبيا منذ تولي ميليسزيناوي السلطة عام 1991. وتسيطر تيغراي على قوات الجيش، إذ إن نسبة 99% من ضباط قوات الدفاع الوطني من هذه الطائفة، ونسبة 97% منهم من نفس القرية، فيما عدا رئيس الوزراء المستقيل، هيلاميريامديسيلين الذي ينتمي إلى طائفة “وولايتا” التي تشكل معظم سكان منطقة الأمم والجنسيات والشعوب الجنوبية. ولم يكن لعرقية التيغراي تأثير على الحياة السياسية، لكونهم لا يشكلون حجما سكانيا يحسب له، غير أن بروز “الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي” بزعامة زيناوي عام 1989، قلب المشهد السياسي في البلاد، حيث تولى زعامة البلاد من عام 1991 حتى وفاته 2012.
وعلى غرار المصالحات القبلية والقومية والسياسية التي نجح في إنجازها لتهدئة النزاعات والقضاء عليها في الداخل والخارج، اتجه أبي أحمد نحو حل الخلافات التي تتعلق بأمور دينية
ففي مبادرة منه تمكن أبي أحمد من التوفيق بين المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ولجنة تحكيم المسلمين بإثيوبيا بعد قطيعة بينهما دامت لأكثر من 5 سنوات إثر خلافات بينهما حول إدارة الشؤون الإسلامية ومدرسة الأولية الإسلامية التي كانت تديرها في السابق هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية.
ولعل اخطر ما قام بة رئيس الوزراء ، هو المصالحة بين الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية بأديس أبابا والكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية بالولايات المتحدة بعودة بطريرك إثيوبيا الرابع "مركوريوس "من منفاه بعد 27 عاما ، في ختام زيارة لابي احمد غير رسمية إلى الولايات المتحدة استغرقت 6 أيام حينذاك، التقى خلالها نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، في واشنطن، وقاد مصالحة تاريخية بين الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية بأديس أبابا والكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية بالولايات المتحدة، توجت باتفاق يعيد للأنبا "مركوريوس" مكانته كرئيس للكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية بأديس أبابا.
وهكذا لكل من يريد ان يدرك المتغييرات التي المت بالرئيس ابي ويتفهم الامور الاثيوبية ان يتوقف امام تلك المتغييرات القبلية والدينية والسياسية .