هناك عالم افتراضى ممزوج بضلالات عقلية تشعر بغطرسة القوة وجنون العظمة تسيطر على «عقلية ونفسية» الرئيس التركى رجب طيب أردوغان.
هذه العقلية انتقلت انتقالات حادة بسبب نجاح حزبه على قاعدة الزعيم نجم الدين أربكان، وتطور الاقتصاد بفضل توركوت أوزال، وتقدم الصناعات العسكرية التركية بفضل اتفاق التعاون مع إسرائيل.
فجأة وجد «أردوغان» نفسه مؤهلاً كى يؤسس إمبراطورية عثمانية جديدة أو يعيد مجد الأجداد فى زمن موات للغاية لمثل هذا المشروع، تحت دعوى أن «أنقرة» تملك رسمياً صك امتلاك أراضى الشرق الأوسط تاريخياً!
الوقت مناسب للعثمانيين الجدد؛ ها هى روسيا أصبحت فى قمة البراجماتية، وها هى أمريكا فى قمة التوحش الرأسمالى، وها هى أوروبا فى قمة الأزمة والانكفاء، وها هم العرب فى قمة اللامشروع والفوضى والتشرذم.
الآن تضع «أنقرة» يدها على نفط كركوك فى العراق بعمق 250 كيلومتراً، وثلث أراضى سوريا فى شمال شرق البلاد، والحصول على غاز قبرص فى المياه الدولية للمتوسط، وإقامة قاعدة عسكرية فى ليبيا، بعدما تم إقامة قاعدة تركية فى قطر لتأمين النظام من الداخل، ونشر الوجود التركى فى السودان وجيبوتى والصومال وإثيوبيا.
أزمة «أردوغان» أنه وقع فى ذات الخطأ الاستراتيجى الذى وقع فيه قبله عشرات من الزعماء على مر التاريخ أمثال: الإسكندر الأكبر، وجنكيز خان، ونابليون بونابرت، وموسولينى، وهتلر، وصدام حسين، ومعمر القذافى الذين لم يعرفوا معنى قاعدة «أين تقف حدود قوتهم؟».
كيف يمكن لدولة مثل تركيا أن يكون لديها أكبر قوة برية معبأة وعاملة فى حلف الأطلنطى، ولديها فى ذات الوقت قوات وخبراء فى كل من العراق وسوريا وليبيا وقطر؟
هذا التوسع الأحمق والمكلف ترك آثاره على حدوث أكبر انخفاض تاريخى فى أداء الليرة التركية مقابل الدولار.
نعود إلى تصريح رسمى علنى لـ«أردوغان» عام 2011 حينما أعلن قرب مرور 100 عام على توقيع اتفاقية لوزان فى 24 يوليو 1923، وبدأت الجهات الحكومية التركية تعد الإجراءات لاستعادة كركوك والموصل لأنهما «كانتا من أملاك السلطان عبدالحميد الثانى»، وبالفعل أُرسلت القوات التركية للمنطقة وتتمركز فى معسكر «بعشيقة» تمهيداً للضم!
يعلن «أردوغان» علناً ليل نهار أن قواته دخلت سوريا بهدف ما يدعى أنه إقامة منطقة آمنة بعمق 32 كيلومتراً شمال شرق سوريا وإعادة توطين 2 مليون سورى.
وفى الحقيقة أن المشروع -المؤامرة- هو تحقيق لحلم تركى عثمانى تاريخى بالتوسع، وفيه أيضاً رغبة فى إعادة تفعيل ضم الأراضى السورية طبقاً لاتفاقية وقّعها «أتاتورك» عام 1923 فى لوزان، فيها تحديد لحدود الدولة العثمانية، وتدعى «أنقرة» أنها وقعت هذه الاتفاقية تحت ضغط وضعف وأنها تريد العودة إلى ما قبل الاتفاقية لتسيطر على بلاد المشرق وشمال أفريقيا والجزر اليونانية.
إنه ذلك الثأر التاريخى بين كل ما هو تركى ضد كل ما هو كردى.
التاريخ الحديث يوضح لنا ويثبت حالة الثأر والثأر المضاد بين تركيا والأكراد.
فى العام 1925 هاجر عشرات الآلاف من الأكراد عقب ثورة الشيخ الكردى سعيد بيران التى قمعتها حكومة كمال أتاتورك بقسوة.
ومنذ ذلك التاريخ استوطن الأكراد منطقة شمال شرق سوريا ودخلوا فى علاقات شد وجذب حول حقوق المواطنة مع الأنظمة السورية المتعاقبة.
ويقدر كرد سوريا ما بين 2 إلى 2٫5 مليون، ويتمركزون فى مناطق الحسكة والقامشلى وعامودا وعين العرب وعفرين، وهى مناطق تحلم تركيا بالسيطرة عليها لأسباب أمنية حدودية، واقتصادية تجارية.
وهكذا يحلم «أردوغان» بتوسيع حدوده نحو الموصل فى العراق، ومنبج وعفرين فى سوريا، والحدود الساحلية ناحية المياه الإقليمية القبرصية، وموانيه نحو طرابلس فى البحر المتوسط وسواكن وجيبوتى فى البحر الأحمر.
إن غطرسة القوة، وعدم فهم واقع المعادلات الإقليمية والدولية التى تحكم عالم اليوم سوف تطيح بأحلام «أردوغان».
ولعل رسالة «ترامب» إلى الرجل يوم 9 أكتوبر الحالى، التى تسربت عن عمد وأكدها البيت الأبيض، تؤكد أن «ترامب»، الذى يصفه خصومه فى الداخل والخارج بـ«الحماقة السياسية الشديدة»، يحذر «أردوغان» قائلاً: «لا تكن أحمق ولا تدخل التاريخ كشيطان»، ولا تتسبب بـ«قتل الناس»، و«إذا أقدمت على دخول سوريا سوف أدمر اقتصادك».
رغم ذلك كان «أردوغان» أكثر حماقة من «ترامب» وقام بخطئه التاريخى!
نقلا عن الوطن