حسين القاضى
من المؤسف للغاية أن نقول إن مؤسساتنا العلمية لم تقم بأى مواجهة حقيقية لجماعة الإخوان وأمثالها من خوارج العصر، هناك ثلاثة مستويات أو ثلاث طبقات عند المواجهة الجادة لهذه التيارات؛ المستوى الأولى: (الممارسات)، أو مرحلة السطح، التى تشتمل على الممارسات الظاهرة والأحداث اليومية والتصريحات والتصرفات والمواقف اليومية، والإعلام المصرى هنا يقوم بدور فى كشف هذه الممارسات، وآخرها الدعوة للفوضى التى كانت يوم 27 من الشهر الماضى، والمستوى الثانى مستوى أكبر وهو مرحلة (القناعات)، أى القناعات التى تصنع الأحداث والتصرفات والممارسات الظاهرة، والمستوى أو الطبقة الثالثة، وهى طبقة أشد عمقاً من المرحلتين السابقتين، بل هى بلا شك المحرك الحقيقى لهما، هى مرحلة (المنطلقات الفكرية) التى تسبق القناعات والممارسات.
فكل ما تقوم به التيارات المنحرفة له منطلقات فكرية محددة، هذه المنطلقات الفكرية هى التى تخلق القناعات، والقناعات هى التى تخلق التصرفات والممارسات، وليس دور العلماء الوقوف عند التصرفات وإدانتها، لأنه مهما نبذها العالِم وأدانها بنصوص من القرآن والسنة فإنه لن يضيف جديداً، لأنه عالج القشرة فقط، ولم يتناول أصل الداء.
إن مشكلات الجماعات المنحرفة فى الأساس مشكلات فكرية، فإذا ما تم تفنيد هذه المنطلقات الفكرية، فلن تجد قناعات، ومن ثم لن تجد ممارسات ظاهرة منحرفة أو صدامية أو تحريضية، بل أقول إن كل صدام وقع بين الجهات الأمنية وبين هؤلاء ونتج عنه دمٌ يسيل هنا أو هناك، أو مستقبل يضيع، أو هارب من وطنه، أو دعوات للفوضى والتخريب، كل ذلك يتحمله العلماء الذين تركوا هؤلاء الشباب ضحيةً لمنطلقات فكرية خاطئة.
ولسوف يظل الحديث عن إدانة الإرهاب، ونبذ العنف، ودعوة الإسلام إلى الوسطية وعن المواجهة من خلال عقد المؤتمرات فقط، وما إلى ذلك سوف يظل بلا قيمة أو أثر، لأن الذين يمارسون العنف والتكفير يتفقون على أن الإسلام ينبذ العنف، ولكنهم انطلقوا من أفكار تقول إن ما يفعلونه خدمة للدين، وليس عنفاً.
لا أعلم أحداً فى العلماء واجه الجماعات المنحرفة بقوة من خلال المنطلقات الفكرية إلا فضيلة الأستاذ الدكتور على جمعة فى كتابه (حكاية الإرهاب)، وغيره، وفضيلة الدكتور أسامة الأزهرى فى كتابه (الحق المبين)، وغيره، حيث انطلق العالمان الأزهريان إلى أهم المرتكزات الفكرية التى قامت عليها الجماعة وقال بها حسن البنا، وواجهاها مواجهة علمية دقيقة، بالإضافة إلى جهود مشكورة من دار الإفتاء المصرية فى هذا المضمار.
لكن ما عدا ذلك قل ما شئت فى نبذ العنف، فلا قيمة لكلامك، ما لم يكن هناك تفكيك حقيقى ومباشر لمقولات حسن البنا، باعتباره المصدر الأول لهذه الأفكار، وهنا أشيد بمجهود كبير قام به الباحث الأستاذ عمرو عبدالحافظ، المسجون بسجن الفيوم، الذى قام بعمل مراجعات فكرية، ووضع يده على حقيقة كلام حسن البنا، وكيف أنه المصدر الأول من مصادر العنف، ورد مقولاته وفنَّدها ووضع إطاراً علمياً للمواجهة العلمية الحقيقية.
والحاصل أنه لا قيمة لمواجهة الممارسات والقناعات ما لم تكن هناك مواجهة للأفكار، والهزائم التى لحقت بالإخوان معظمها هزائم سياسية، والهزيمة السياسية تتغير وتتبدل، وتضعف وتقوى، لكننا نحتاج إلى إنقاذ الشباب بمواجهة فكرية غير أمنية ولا إعلامية، مواجهة حقيقية تبين حقيقة مفاهيم مثل: الجاهلية، والتمكين، والحاكمية، ومفهوم الأمة، وعلاقة العالِم بالحاكم، وتطبيق الشريعة، وأسباب التراجع الحضارى، وطرق التعافى الحضارى، وإشكالية تقديم المسألة السياسية على الحق الدينى، وتحويل ميدان التربية من النفس إلى الخصم، وتقديم الحركات على العلم والفكر، والفصل بين المحنة وصحة الفكر، ما لم يحدث ذلك، ويعيه كل واحد، فاعلم أننا لم نتحرك خطوة فى مواجهة الفكر المنحرف.
نقلا عن الوطن