كنت في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية، في عام 2015، حين سمعت للمرة الأولى عن شيء اسمه الطباعة ثلاثية الأبعاد. وقتها أخبرني أحدهم أنه رأى شيئًا اسمه الطباعة ثلاثية الأبعاد، وأن هذا الشيء يمكنه أن "يطبع" منتجًا مجسمًا وملموسًا، وذلك من خلال تصميمه على الكمبيوتر!
بدت الفكرة أقرب ما تكون إلى الوهم والخيال. يومها تفكهنا بأننا سنعيش يومًا في بيوت ونرتدي ملابس، ونخضع لعلاجات، تم طبعها في المكتبة القابعة في أول الشارع. لكن حدة الفكاهة خفتت حين بحثت على الإنترنت على "طباعة ثلاثية الأبعاد" ويومها لم أجد مصادر عربية. وجدت عددًا من الموضوعات والمصادر بالإنجليزية تتحدث عن الطباعة الثلاثية مفادها أنها تقنية حديثة تتم، من خلال تراكم لطبقات الخامات فوق بعضها إلى أن يكتمل الشكل المطلوب طبقاً للتصميم. والمجالات التي كانت مرشحة للاستفادة من هذه التقنية هي الفضاء والطب والهندسة والتعليم والتشييد والمطاعم والترفيه وتصنيع السيارات. بمعنى آخر، تقريبًا كل شيء.
وعلى مدار أسابيع مضت، كنت أتابع ما يجري من أبحاث حول طباعة أعضاء بشرية مجسمة. من البرازيل إلى ألمانيا وأمريكا وبريطانيا وغيرها، ظهرت نماذج لأعضاء بشرية مجسمة تمت "طباعتها" بهذه التقنية. وبينما شركات تعمل على إنتاج شرائج من أنسجة مطبوعة لإصلاح الكبد، وأخرى تفكر في إنتاج أعضاء بأكلمها، وثالثة تنتج أذنًا أو ذراعًا وغيرهما، خرجت قبل فترة جامعة تل أبيب لتعلن قبل أشهر عن أن أحد فرقها البحثية تمكن من "طباعة" نموذج أوّلي مصغر للقلب باستخدام تقنية ثلاثية الأبعاد وباستخدام أنسجة بشرية. ويمكن مشاهدة فيديوهات للفريق البحثي وهو يعرض نموذج القلب المشابه في الحجم لقلب الأرنب، وهو ينقبض كالعضلات. صحيح أنه غير قادر بعد على ضخ الدماء، لكنها خطوة على الطريق.
وقد شاءت الأقدار أن يتداخل صوت نابع من شاشة التلفزيون ليشتت انتباهي بعيدًا عن متابعة الفيديو، فإذ بها خبيرة الأحلام وفك الأسحار فلانة قابعة في استديو تحليلي في أحد البرامج التلفزيونية المصرية تفسر أحلام المتصلة التي حلمت بأنها تزوجت من ابن عمها رغم أنها مخطوبة لابن خالها، وكيف أن زوجة عمها أخبرت زوجة خالها، فإذ بجارة ابنة عمتها تفسد الفرح لتستيقظ من النوم وهي مخنوقة. وبعد تفسير الحلم، ردت الخبيرة على مجموعة من الرسائل التي وردت إلى البرنامج طالبة المعونة في فك الأسحار المعطلة للإنجاب والمعرقلة للعلاقات والمؤججة للخلافات.
وفي تلك الأثناء كان الشريط الخبري يركض في أسفل الشاشة معلناً عن أرقام الهواتف التي يمكن الاتصال بها لفك الأعمال الخاصة بتعطيل الزواج ورد المطلقة وجلب الحبيب وغيرها من الخدمات.
خدمات كثيرة يسديها العلم الحديث للإنسان. وهي لا تقتصر فقط على الابتكارات والإبداعات، لكنها تمتد لتشمل القدرة على عقد المقارنات والنظر إلى الفروق بين جموع الخبراء والباحثين.
يقولون إنه بالضد تُعرف الأشياء، وهي مقولة صحيحة إلى حد كبير. فالخبيرة فلانة تقف على طرف النقيض من الفرق البحثية التي تعمل على قدم وساق لاستغلال تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد. هذه تمضي في طريق، وهؤلاء يمضون في طريق آخر موازٍ؛ ما يعني استحالة التقاطع أو الالتقاء.
لكن الكشف عن أن الشخص المنتمي إلى جماعة "النازيين الجدد" الذي نفذ هجومًا مسلحًا، قبل أيام، على معبد في ألمانيا اعتمد على مسدس "مطبوع" بتقنية ثلاثية الأبعاد وقتل به شخصين، وأنه كتب منشورًا خفيًا على الإنترنت قبل تنفيذ الاعتداء قال فيه: "لا تحتاجون إلا وقتًا بقدر عطلة نهاية أسبوع واحدة ومواد بقيمة 50 دولارًا أمريكيًا لتصنيع مسدس" – هذا الكشف جعلني ممتنة لهيمنة فلانة، خبيرة تفسير الأحلام وفك الأسحار، وذلك لحين إشعار آخر.
نقلا عن مصراوي