حمدي رزق
الخطب العصماء عالية الصوت، التى ألقاها نفر من النواب الموقرين على مسامعنا، لا تعدو محاولة بائسة يائسة لإثبات الوجود فى الفصل التشريعى الأخير، على أمل العودة إلى نفس المقاعد لاحقًا، فرصة تسجيل «فيديو» ينفع فى الدعاية الانتخابية، إثبات حضور برلمانى فارغ من المحتوى السياسى.
الأصوات الزاعقة الصاخبة، وزعم شجاعة وضراوة فى مواجهة الحكومة، وأهلية نيابية فى الدفاع عن مصالح الطبقات الفقيرة وَهم موهوم متوهم، كانوا فين النواب الأفاضل طوال أربع سنوات مضت؟، ما بلاش نتكلم فى الماضى / الماضى دا كان كلة جراح!.
الغضب الساطع فى البرلمان على وزراء حكومة مصطفى مدبولى، المعروفة بوزارة حد الكفاف، غير مهضوم سياسيًا، ويحتاج من رئاسة المجلس ترشيد الانفعالات حتى نرسم خريطة واضحة للاحتياجات الملحة لذوى الاحتياجات، قلب الطاولة على الحكومة ليس من الحكمة السياسية فى شىء.
أقول قولى هذا وموقن بأن الحكومة خسرت الشارع تمامًا وتحتاج إلى معجزة للبقاء، وإذا كُتب لها للبقاء فوفق اشتراطات وقواعد جديدة، أهمها إشاعة العدالة الاجتماعية، والكف عن سياسات الجباية، وتوفير مصادر حقيقية لتمويلات الموازنة العامة، وتوفر على البرامج التنموية، وإيقاظ الدولاب الحكومى من غفوته، ورفع مستويات الأداء فى تقديم الخدمات العامة، ورسم خارطة طريق للقضاء على الفقر والبطالة والحد من الاقتراض الخارجى.
رسم هذه الخارطة لن يكون ممكنًا فى أجواء الهرج والمرج البرلمانى، المرحلة تحتاج إلى تفاكر حكومى/ برلمانى، إلى لجان مشتركة، إلى أفكار خارج الصندوق، الحساب ليس بالقطعة، على مجمل الأعمال.. وسد النواقص، واستعدال البرامج، وإعادة توجيه الموارد، وضمان وصول الخدمات إلى مستحقيها، كلها استحقاقات تضيع فى لهفة النواب على تخليص الطلبات من الوزراء فى الطرقات.
الهجوم المباغت والضارى على الحكومة لا يخلف إلا إحباط المجتهدين من الوزراء، وليس كل الوزراء من أصحاب البيان السياسى، «تكنوقراط» أو جددا على الدولاب الحكومى، ليس بينهم إلا ندرة يفقهون فى العمل السياسى، الذى يتبضعه نفر من النواب على حساب حكومة لا تجد ظهيرًا سياسيًا يصلب طولها أمام الشارع.
يقينًا، ترشيد حالة الغضب ومنع المزايدة من ضرورات المرحلة، مرحلة حرجة تحتاج عقولًا باردة تفكر باستقامة وطنية، تقدم العام على الخاص، وتعى خطورة رفع سقف الطموحات دون اعتمادات، ولا تنصرف إلى تبديد الجهد الوطنى فى خطب عصماء تغازل البسطاء، الفقراء لن يأكلوا خطبًا، ولن توفر لهم لبنًا.. والخلاص من الحكومة قبل تنفيذ برامجها رفاهية سياسية لا نقدر على كلفتها فى توقيت حرب مفروضة علينا فرضًا.
نقلا عن المصرى اليوم