عادل نعمان
بداية، هناك مسلمات وبديهيات مؤكدة ومقررة تحكم فكر هذا التيار، يؤمن بها ولا يتنازل عنها، نضعها في الاعتبار حين البحث عن حلول إيجابية وواقعية لإبعاده عن الحكم والسياسة، وتجنب مخاطر تواجده بجوارهما، وإعادته إلى دور العبادة لا يبرحها، حتى يعيش الناس في سلام وأمان، فلا سلام يرجى وهذا التيار متأهب للانقضاض على الحكم، مستعد وحاضر له بكل الطرق.
وأولى هذه المسلمات: لن يتنازل هذا التيار عن فكرة الدولة الدينية مهما حاولنا أن نحول بينه وبينها، فإما أن يمر من بوابة الديمقراطية وتضليل الشعب وانعقادها «بالرضا»، أو مرورًا من بوابة «الغلبة» وانعقادها بالسيف، حتى لو طارت رقاب العباد كلهم، وليس الترتيب السابق اختيارا، بل هو إكراه وإجبار، فيبدأ بالمعروف والرضا، وينتهى بالقوة إذا أغلقت السبل، وهو «إكراه» تاريخى، وتضييق حتمى، فإما أن تأتيه بالديمقراطية المغشوشة «بالرضا» وإن كرهوها وكفروها، وإما على أسنة الرماح ونصل السيوف «الغلبة»، وإن كرهها الناس وأبغضوها.
والثانى: أن الأسانيد الشرعية تدفع هؤلاء دفعًا للموت في سبيلها «أى ظلم في غلاف دينى فهو عدل، وأى حرام في ثوب شرعى فهو مباح» تحكمه وتسانده نصوص قطعية الدلالة والثبوت، وأحاديث وأفعال ومرويات وتراث حاكمة مانعة، واضحة لا لبس فيها، لا تقبل تفسيرا مغايرا منذ قرون، مرت على فقهاء كل الفرق ولم يغيروها، إلا المعتزلة الذين أخضعوا النص للعقل، يرفضها أو يقبلها أو يرجئها أو يؤولها، وهم رافضون لهذا العقل ويغلبون عليه النقل، فلما نقول لهم مثلا «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا......» بضمة على الألف، هو أمر للرسول في حدث لا ينسحب لغيره، وفى وقت محدد لا يتجاوزه، يقولون «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب» والحكم الخاص ينسحب على العام، ولما نقول العصمة للأنبياء فيما يوحى إليهم به فقط، وغير ذلك أمور بشرية يخطئون ويصيبون، وما جاءنا من النبى ليس تنزيلا أو حكما إلهيا، يقولون «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» نقول لهم هذه الآية في سورة الحشر مرتبطة بما قبلها ولا نخرجها من سياقها وظروفها «سبب التنزبل» ونزلت في «توزيع الغنائم والأنفال» يقولون نأخذه على عمومه بأوامره ونواهيه، طيب موافق، تعالوا نتزوج بعشر من النساء، ونمر عليهن في الليلة بغسل واحد، ونأخذ بحديث العزل، وعدم عزل ماء الرجل عن المراة وإتيانها «لا عليكم ألا تفعلوا، ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون» وهو أمر من الناحية العلمية غير صحيح، وهناك فوائد لتنظيم النسل بطرق العزل المختلفة، ولما نقول الأصل في الدعوة محكوم بآيات الصفح والموادعة والسلام، وليس بآيات السيف والقتال، التي نزلت في مواقف محددة بذاتها «وربما نحتاج مستقبلا، إلى بحث عن هذا الاختلاف بين الدعوة في مكة عنها في المدينة نخشى القيام بها الآن» فتعالوا نوقف العمل بهذه الآيات، كما أوقف ذات السلف آيات وأحكاما أخرى قطعية الدلالة والثبوت أيضا، يقولون لم نجبَر حتى الآن على ذلك فالطريق ما زال مفتوحًا، ولما نقول كيف لله ان ينسخ حكمًا أو أمرًا وهو الآمر الناهى، يدعونا إلى السلام في مكة وإلى القتال والقتل في المدينة؟ تسمع منهم العجب، الهروب من الأمن والسلام إلى القتال والقتل طرق الغوغاء والهمج ليس إلا.
الثالث: المؤسسات الدينية ورجالها ما زالت داعمة ومؤيدة لفكر الجهاد والخلافة، وأن الإسلام دين ودولة، وما دامت داعية لهذا في مناهجها وعلى منابرها سيظل هاديًا لهؤلاء، داعما لهم، وسندًا شرعيًا ملزمًا للجميع، وأصبحت الوسيلة في حجر التيارات والفرق المختلفة، تحددها حسب إمكانياتها وقدراتها، وتظل عاملة على إعداد ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وما سمحت لها أحوالها، وأحوال أعدائهم، وقد اتفقوا جميعا على وحدة الهدف، والخيار فقط في الوسيلة وأوانها. الرابع: أن هذا التيار سيظل تحت يد وسلطان دول عربية ومخابرات أجنبية، يعمل من خلالها في الكثير ويعتمد في تمويله وتسليحه عليها، ولا مانع من الخضوع لأوامرهم وخططهم، الأولى تستخدمه في إخضاع شعوبها ومعارضيها، أو تجييشها ضد المذاهب والأنظمة المخالفة، والثانية تستخدمه للضغط على ذات الأنظمة وابتزازها، «عميل مزدوج» وهو في حال ترقب لينقض على الحكم ويترك كل هؤلاء إذا كان هذا في مصلحته، ومبدأ قبول المخالف مسموح عند هؤلاء إلى أن يأذن الله لهم بكسر خطوطه والانقلاب عليه وهو مبدأ شرعى «الضرورات تبيح المحظورات». من هنا نبدأ، ومن داخل هذه المسلمات نفتح أبواب الصراع والمواجهة، على أنه لا غنى عن المواجهة الأمنية لمن يخرج من هؤلاء داعيًا إلى جهاد أو قتال، حتى لو كان على المنابر من مشايخ المؤسسة أو السلفية وهو أمر لا تنازل عنه.
نقلا عن المصرى اليوم