فاطمة ناعوت
فى مثل هذه الأيام من كل عام، نتذكّر اليوم الخالد الذى رفعت فيه مصرُ رأسَها أمام العالم، مُعلنةً انتصارَها على عدوٍّ رسمَ لنفسه صورة أسطورية، وصدَّر للعالم فكرة أنه لا يُهزَم. ونتذكّر رجالاً ذوى بأس وقدرات عسكرية وقتالية فائقة، صنعوا لنا ولأولادنا سنوات الأمن التى عشناها منذ حربنا الأخيرة مع العدو الصهيونى فى أكتوبر ١٩٧٣.
نتذكّر بكل احترام: اللواء طيار/ محمد حسنى مبارك، رئيس أركان حرب القوات الجوية، الذى قاد نسورنا المصرية فى الحرب، وكان صاحب الضربة الجوية الأولى التى زلزلت عديد من النقاط الحيوية لدى قوات العدو الإسرائيلى فى سيناء، ما سمح لقواتنا البريّة بالتقدّم للعبور والسيطرة على الضفّة الشرقية للقناة فى أولى أيام الحرب الشريفة، تحت غطاء وحماية نسور مصر فى القوات الجوية. نتذكّر بكل احترام الفريق/ سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان القوات المسلحة فى الحرب، وواضع خطة العبور والرأس المدبِّر لاجتياح جيشنا المصرى خطّ الدفاع الإسرائيلى فى خط بارليف. نتذكَّر بكل احترام المشير/ محمد عبدالغنى الجمسى، المُصنّف فى الموسوعات العالمية ضمن أبرع ٥٠ قائدًا عسكريًّا فى التاريخ، وآخر مَن حمل لقب «وزير الحربية» فى مصر، قبل أن يتغيّر اللقبُ إلى «وزير الدفاع»، لأن مصرَ دولة سِلمٍ لا تبادر بحرب، بل تحارب دفاعًا عن أرضِها وشرفِها وكرامة شعبها. وبعد النصر ترأس الوفد العسكرى المصرى فى المفاوضات مع إسرائيل، وكان من أشرس القادة الذين جلسوا على مائدة المفاوضات مع العدو الصهيونى. نتذكّر بكل احترام المشير/ أحمد إسماعيل الذى قاد الجيش فى مرحلة من أدقّ مراحل ملحمة التحرير الشريفة. وفى دفتر العظماء نتذكّر بكل احترام أول شهيدين فى حرب أكتوبر: العميد/ شفيق مترى سدراك، والرقيب/ محمد حسين محمود. وشاءت حكمة الله أن ترتوى أرضُ مصرَ فى أولى ساعات الحرب بدماء رجلين نبيلين تنوّعا فى العقيدة، واختلفا فى الرتب العسكرية، واتفقا فى حب مصر. شهيدان كريمان، ينظران إلى الله الواحد الأحد من زوايا مختلفة، وينظران إلى الوطن العزيز من زاوية مشتركة.
والقائمة تطول لعظماء مصر الذين نَدينُ لهم بأرواحنا وأرواح آبائنا وأبنائنا، ولا تنتهى عند رجل عظيم رحل العام الماضى، وتشرّفتُ بحضور مراسم جنازته وتقديم واجب العزاء لأسرته الكريمة.. اللواء «باقى زكى يوسف»، المهندس الشابّ الذى ابتكر فكرةَ هدم الساتر الترابى لخط بارليف فى حربنا الماجدة. ومازلتُ أطالبُ بإدراج اسمه فى مناهج التعليم ليتعرف النشءُ الصغير على رموز مضيئة من رجالات مصر العظماء. وهنا أشكر الرئيس السيسى على إطلاق اسم ذلك العظيم على نفق جميل يربط بين شارعى: التسعين الشمالى والتسعين الجنوبى فى التجمع الخامس. وتحت اسمه نبذة عن الرجل تُخلّد ابتكاره الهندسى الذى يسّر على قواتنا المسلحة الباسلة تحطيم خط بارليف،الذى زعمت إسرائيل أنه خط لا يُهدم. فكان عبورُ القناة، وكان النصرُ الكريم على العدو. ذلك هو الرجل الذى منح مصرَ مفتاحَ كسر شوكة العدو، فحُفِرَ اسمُه فى سجل نبلاء مصر. وأتشرّف بشكل شخصى بأن ذلك المهندس العبقرى هو ابن الكلية الجميلة التى أتشرّف بالتخرج فيها: هندسة عين شمس. عاش فى هدوء، وخدم وطنه فى هدوء، وركن إلى مرحلة تقاعده فى هدوء بعيدًا عن الأضواء، ثم رحل فى هدوء تاركًا مصرَ وقد حطّمت أسطورةً نسجها صهيونُ أمام العالم عن حصن منيع لا يسقط، فأسقطته فكرةٌ نيّرة أشرقت فى عقل ذلك المهندس اللامع. تصدَّع الساترُ الترابيّ أمام شلالات المياه الهادرة من المضخّات، كما تتصدّع ورقةُ شجر يابسة تحت أقدام الفرسان، وعبر جيشُنا الباسل إلى حيث ثكنات العدو ودحرناه، ليرتفع علمُ مصر زاهيًا، وتصدح أغنياتُ العبور من مذاييع البيوت فى كل أرجاء الوطن.
لابد أن يتعلّم أبناؤنا صحيحَ تاريخ بلادهم، ليعرفوا مَن جاءهم بالنصر ومَن منح وطنَهم مفتاحَ العزّة والكرامة. فذلك من شأنه، ليس وحسب إضاءة مناطقَ مشرقةٍ من تاريخنا المصرى المشرّف أمام عيون النشء المصرى الصغير، بل أيضًا تعليمهم درسًا مهمًّا فى «المواطَنة» بمفهومها الصحيح. كونها علاقةً بين مواطن شريف ووطن يحتضن الجميع من دون أن يسألهم الوطنُ عن عقائدهم. ذاك أن العقيدةَ شأنٌ فردى بين الإنسان والسماء، بينما الهُويةُ المجتمعية والمواطَنة شأنٌ جمعىّ يتوّجُ الجميعََ بهالة من نور تقول بصوتٍ عال وفخور: «هذا المواطنُ مصرى». تحيةَ احترام لرموز بلادى الشرفاء، الأحياء منهم، والخالدين العابرين الزمانَ ممن لا ينساهم التاريخ. وتحيةَ احترام لمن يذكرون تلك الرموزَ ثم يُذكّرون الناس بها. ودائمًا «الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم