الأقباط متحدون - أنا ح أروح الجنة وأنت ح تروح النار
أخر تحديث ٠١:٤٨ | السبت ١٤ يناير ٢٠١٢ | ٥ طوبة ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٣٩ السنة السابعة
إغلاق تصغير

أنا ح أروح الجنة وأنت ح تروح النار

بقلم: رفيق رسمي
الكل يعتقد ويؤمن كل الإيمان أن ما يؤمن به من دين هو الأصل والأصح والأصلح على الإطلاق لكل زمان ومكان، وهو الحق كل الحق، وهو الحقيقة المطلقة بلا أدنى ذرة من الشك، وهو الذي سيجعله يذهب إلى الجنة ونعيمها وإلى الخلود والملكوت الأبدي مباشرةً لمجرد أنه ينتمي إلى ذلك الدين، لا بل إلى تلك الطائفة بعينيها دون غيرها من هذا الدين، لا بل إلى ذلك المذهب بالذات من تلك الطائفة التي تنتمي إلى هذا الدين، فهذا المذهب بالذات هو الوحيد فقط لا غير الذي يرضى عنه الله ويرعاه ويحفظه كل الحفظ، ولم ينله أدنى تحريف، ولم تشوبه أية شائبة على الإطلاق؛ لأنه تسلَّم تعاليمه السامية مباشرةً من الله، وكل المذاهب ووالطوائف والديانات الأخرى بلا استثناء واحد قد شابها التحريف المؤكَّد بأدلة وبراهين علمية ومنطقية لا شك فيها على الإطلاق.. هذا هو معتقد وإيمان كل فرد في كل طائفة، وكل مذهب، وكل دين بلا استثناء واحد.
 

فالواقع الفعلي يقول إن الدين الواحد ينقسم إلى عدة مذاهب متنوعة ومتعددة، بل والمذهب الواحد ينقسم إلى فرق وعشائر متناحرة، الكل يعتقد ويؤمن كل الإيمان أنه على صواب تام وكامل، والآخر على خطأ كامل ومصيره إلى جهنم وبئس المصير. والسبب في ذلك الاعتقاد هو العقل الباطن في الإنسان نفسه، الذي به مجموعه من الصفات اللاإردية دون وعي منه، وكلها تتوافق وتتضافر مع مجموعة أخرى من الخصائص في النفس، بسببها يتوهَّم الفرد أن كل ما ينتمي إليه هو غاية في الكمال ولا يشوبه أدنى نقصان، وكل ما في ذهنه من أفكار هي قمه الصواب، بل هي الصواب ذاته وحدها فقط لا غير، وما عداها خطأ. وإذا اعتقد في خطأها يشعر بالتعب الشديد حتى يتم تغييرها وتعديلها في مخزونه الثقافي وإطاره الدلالي المعرفي، والأمر يكون أصعب جدًا في المعتقدات الإيمانية الغيبية التي هي أكثر ثباتًا ورسوخًا من مجرد الأفكار العادية للحياة اليومية؛ لأن تغييرها شاق للغاية. فالفرد العادي يحاول جاهدًا أن يتجنَّب أي تعب أو إرهاق، وإذا شعر أنه على خطأ فأنه يعاني ويبذل ما يملك من قوة وقدرة كي يُعلن أنه على الصواب المطلق، ويبرِّر ذلك بكل علوم المنطق والفلسفة بسبب الكبرياء وعزة النفس التي تمنعه من ذلك، لذا (فالاعتراف بالخطأ فضيلة كبيرة جدًا ).
 

وعلاج هذا يكون بملء العقل الواعي بكافة الأفكار التي تقبل أن أتراجع بسهولة ويسر عندما أكون مخطئًا ولا أشعر بأدنى إهانة، وتدعيم كافة الأفكار والسلوكيات التي تجعلني أحترم كل الاحترام الآخر المختلف عنى كل الاختلاف، وملء العقل الواعي بكافة المعلومات التي تستطيع بسهولة تحجيم وتلجيم الأفكار المنبعثة بقوة من اللاوعي والمترسخة بعمق في العقل الباطن، والتي ترفض الآخر المختلف عني لأنه يمثل المجهول ويثير داخلي غريزة (الخوف من المجهول) التي تسبِّب تعبًا نفسيًا شديدًا.

ولكن ما يحدث عمليًا على أرض الواقع من أولي الأمر منا، من رجال الساسة والدين الموقرين الذين يملكون سلطات وآليات التأثير على الرعية، هو تدعيم ما في العقل الباطن من غرائز تبعث أفكارًا تدعم بشدة كره الآخر المختلف عني، بل وقتله أحيانًا إذا تطلَّب الأمر. والسبب في غرس وانتشار وتدعيم هذا الفكر المريض هو استثمار بعض رجال الدين المتاجرين به لما هو موجود من خصائص في العقل الباطن ( اللاوعي) وفي النفس للقطيع، وتوجيههم واستثمارهم (لمصالحهم الشخصية البحتة ولضمان بقائهم سادة على الغنم ولتدعيم عزتهم وقوتهم ولزيادة مواردهم المالية على حساب العامة من الشعب).
 

ويحدث هذا أحيانًا في كل دين بلا استثناء، ولكن بنسب متفاوتة ومتباينة، وحسب الحالات الفردية والفكر الجمعي لهذا الدين، أو الملل والشيع والطوائف الفردية والمجالس أو المذاهب الدينية، أو حتى الأديان الواسعة الانتشار، الكبيرة من حيث حجم التابعين- مثل البوذية والهندوسية-، أو الأديان السماوية مثل المسيحية والإسلام واليهودية. كما أن هناك تقريبًا حوالي (22) ديانة رئيسية في العالم.

ولكنها أكثر ظهورًا ووضوحًا من المتأسلمين (الإسلامجية)، أي المتاجرين بالدين لمصالحهم الشخصية البحتة، المستفيدين منه كل الاستفادة على حساب الرعية التي يتم استهلاكها. لذا يرفضون كافة الأفكار الكثيرة الموجودة في الدين الإسلامي التي تحض على قبول الآخر والتعايش السلمي معه في سلام ومحبة وكره الظلم وإيثار العدل.

فالمسيحية تنقسم إلى ثلاث طوائف: الأرثوذكس، والكاثوليك، والبروتستانت الذي تتعدد فيها المذاهب بكثرة، هذا غير الطوائف غير المعترف بها في المسيحية مثل "شهود يهوة" و"السبتيين" و"المرمون".
 

وفي الإسلام مثلًا إليكم بأسماء بعض الطوائف الإسلامية المنتشرة في العالم الإسلامي على سبيل الذكر وليس الحصر: (السنة والشيعة).
الشيعة:
تنقسم إلى طائفة الإمامة التي تنقسم بدورها إلى الإثنا عشرية والأصولية والشيخية، وطائفة الركنية، وطائفة الكشفية، وطائفة السبعية وتنقسم إلى الإسماعيلية والنزارية وإسماعيلية فارس، والحشاشين (الأغاخانية، البهرة، القرامطة، الدرزية، والموحدون، وطائفة العلوية، وطائفة الزيدية، وطائفة الإباضية، وطائفة الخوارج وتنقسم إلى الأزارقة والنجدات والبهيسية والعجاردة والثعالبة والصفرية، وطائفة المعتزلة، وطائفة الصوفية وتنقسم إلى التجانية والقادرية والشاذلية والسمانية والإدريسية والبرهانية.

السنة:
وهي تنقسم إلى السلفية، أهل الحديث، الأشاعرة، الماتريدية. ثم يتم التقسيم مرة أخرى في مذهب واحد فقط من كل هؤلاء من مذاهب الإسلام وهو المذهب السني السلفي إلى مذاهب فقهية تختلف معًا اختلافًا بينًا في الأحكام المستنبطة من القرآن والسنة، وهم حسب ترتيبهم التاريخي:
- الإمام "أبو حنيفة النعمان" ومذهبه الحنفي.
- الإمام "مالك بن أنس" ومذهبه المالكي.
- الإمام "محمد بن إدريس الشافعي" ومذهبه الشافعي.
- الإمام "أحمد بن حنبل" ومذهبه الحنبلي.
 

ثم القرآنيون الذين يعترفون بالقرآن فقط لا غير ولا يعترفون بالأحاديث النبوية.

هذا غير طائفة "الأحمدية" غير المعترف بها إسلاميًا، وغيرها الكثير..

قال النبي (ص): "والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، واثنتان وسبعون في النار".. فأيهم في الجنة؟ وأيهم في النار؟.. الكل بلا استثناء واحد فقط يعتقد ويؤمن كل الإيمان بلا أدنى ذرة واحدة فقط من الشك أنه هو الذي في الجنة بكل تأكيد والآخر بالقطع في النار، فما هو البديل غير الاقتتال؟ والتناحر؟ وتبادل الاتهامات بالكفر؟ وتحويل دنيانا إلى ساحات من الجحيم؟

فلكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه..
إذا اتهمتني بالكفر فمن المؤكَّد والحتمي أنني سأرميك بنفس التهمة، بل وأفظع منها. وإذا كان لك أسانيدك المنطقية التي تبرِّر فعلتك تلك، فسأخترع أنا أيضًا الآلاف منها بعلم المنطق؛ لأن بداخلي خاصية التبرير التي تحب أن أكون على صواب دائمًا حسب رؤيتي الشخصية البحتة وحسب ما في ذهني من معلومات في إطاري المرجعي والدلالي.. فهل أنت إنسان لك كل الحقوق وأنا لا؟

وإذا تعايشت معي وقبلتني واحترمت معتقداتي المختلفة معك، فمن المؤكَّد والحتمي أنني سأقبلك أنا أيضًا رغم كل الاختلافات معك، وسأتجاوزها إلى المشترك بيننا. فيكفي أنني أنا وأنت بشر، ونشترك في الآدمية، ونتقاسم الحياة سويًا على كوكب الأرض، وهذا لا خلاف عليه، فتعال نحوِّل حياتنا إلى جنة على هذه الأرض بدلًا من أن أقتلك وتقتلني ونحوِّل حياتنا إلى جحيم ونخسر حياتنا الحالية سويًا في سبيل جنة في الآخرة غير مضمونة.. فقد قال الرسول (ص) عن النار "إن منكم إلا واردها"، فقيل له "حتى أنت يا رسول الله"، قال: "نعم لو لم يتغمدني الله برحمته". وقال "أبو بكر الصديق": "لا تأمن مكر الله حتى وإن كانت إحدى قدماك في الجنة".

لذا فقل لمن يدَّعي في العلم معرفةً عرفت شيئًا وغابت عنك أشياء
لذا؛ فالجاهل يعلم أنه يجهل ملايين الحقائق، أما الجهول فيجهل حتى أنه جاهل.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع