بقلم: إسحق إبراهيم
دعا أسامة حافظ عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية والذي يعد الرجل الثالث بالجماعة إلى حوار مجتمعي حول مشكلة الأقباط، وقال حافظ أن ذلك يأتي لصياغة صفحة من عقد اجتماعي بين الطرفين لحماية البلد من طوفان يدمرها، مشيرًا إلى أن الأمر يعد إثباتًا لحسن النوايا والثقة المتبادلة بعيدًا عن المزايدة والتحريض.
بطبيعة الحال فإن الحوار مظهر إيجابي وحضاري لإدارة الأزمات وتبادل الآراء ووجهات النظر للوصول إلى حلول للمشكلات المستعصية. لكن للحوار قواعد وشروط حتى لا يتحول إلى حوار الطرشان "مونولوج"، كل طرف يحاول أن يثبت أن رأيه فقط هو الصواب والحقيقة دون أدنى استعداد للتجاوب مع وجه النظر الآخر. ويعد إبداء حسن النية من أول وأهم هذه الشروط خاصة في حالتنا، فالجماعة الإسلامية لها ميراث أسود من الإرهاب والقتل ضد المسيحيين وقامت باستحلال دماءهم وأموالهم وفرض الحزية عليهم.
صحيح أن الجماعة تراجعت عن أعمال العنف، وقامت بمراجعات فقهية بداية من عام 1997 لكن لم تتخل عن آراءها ومرجعيتها المتشددة والتي استندت عليها في القيام بهذه العمليات الإرهابية، فالتراجع وفق خبراء الحركات الإسلامية تم نتيجة ضغوط على الجماعة من أبرزها تزايد القبضة الأمنية والقبض على قادة الجماعة ووضعهم داخل السجون، فالمراجعات تمت للتقية. فالسيد أسامة حافظ عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية صاحب الدعوة للحوار يقول أن الحوادث التي تورط فيها بعض المنتمين للجماعة أو المؤمنين بأفكارها كانت لها أسبابها المرتبطة بالظروف المحيطة بالجماعة وقتئذ، مشددًا على أنه ليس هناك خصومة بين الجماعة الإسلامية والأقباط لكن هناك انتقادات كثيرة للأقباط منها مسألة التوسع في بناء الكنائس دون حاجة ملحة والدخول في صراع مع السلطة دون مبرر. هل هذه التصريحات تشكل أرضية ملائمة للحوار؟! فالرجل لم ينف تورط الجماعة، ولم يعتذر عن أعمال العنف ضد الأقباط، ولم يتراجع عن المرجعيات الفكرية التي اعتمد عليها، ولم يقدم ضمانات بعدم تكرارها!!
يحتاج أي حوار مع الجماعة الإسلامية إلى إعلان الجماعة عن حجم عضويتها وطبيعة العلاقات المتشابكة مع التنظيمات الإسلامية المتشددة في الخارج، وكيف تُدار الأمور داخل الجماعة؟ ومن أين تأتي مصادر تمويل الجماعة التي تزيد إلى عدة مليارات من الجنيهات دون وجود مصادر معلومة؟ وأن تبادر الجماعة بتقديم رؤيتها تجاه قضايا الإصلاح السياسي والدستور واحترام مدنية الدولة وطابعها المعتدل الذي يستوعب كل الأديان والأجناس معًا.
في نفس السياق يحتاج الحوار إلى تحديد أطر عامة حول حقوق الأقباط، فالجماعة عليها أن تعترف بوجود مسألة قبطية، وأن هناك عدد كبير من المصريين يتعرضون لتمييز واضح في كثير من القطاعات لسبب واحد، فقط أنهم مسيحيون. كيف يتم حوار إذا كان أحد الطرفين ينكر على الآخر معاناته!! الدكتور ناجح إبراهيم زعيم الجماعة الإسلامية في إجابة عن وضع المسيحيين في تحقيق صحفي نشر بجريدة العربي التي تصدر عن الحزب الناصري -الأحد 28 يونيو 2009- قال: "إن المسيحيين في مصر اليوم بينهم رجل من أثرى الأثرياء، وهو نجيب ساويرس وهو ما لم يكن يتحقق دون وجود حرية للمعتقدات الدينية إضافة إلى وجود وزير هو الأشهر على الإطلاق وهو بطرس غالي، إضافة إلى وجود محافظ مسيحي، وهي كلها إشارات ودلائل على أنهم ضمن نسيج المجتمع المصري، وهو ما يعكس زعم بعض المسيحيين بالداخل أو الخارج والذين يحصلون على الدعم الدولاري من الخزائن الغربية من أجل نشر الفتن والقلائل في البلاد بهدف زعزعة الاستقرار."، وأضاف ناجح: "لو كان الاضطهاد صحيحًا ما بقي أحد منهم حيًا حتى الآن، ولكن أقباط المهجر والذين يتلقون الأموال من الموساد وأجهزة الاستخبارات العالمية ويعيشون على هذه الأموال على حساب إخوانهم الأقباط أيضًا، فهم أصحاب المصلحة في الترويج لهذه المقولة ورفع شعار الأقباط"، واعتبر زعيم الجماعة الإسلامية أن الدولة لا تستطيع إقصاء رجل دين مسيحي عن مهامه أو تقوم بتكليفه بعكس قيامها بمنع رجل الدعوة المسلم من نشر دعوته، أيضًا لم يثبت أن قامت الحكومة بفصل مسيحي يعكس ما يحدث مع المسلمين.
وفي السياق ذاته قال أسامة حافظ: "ينبغي أن يدرك الأقباط أن مشاكلهم هي بعض من مشاكل البلد المثقل بالأعباء.. وأن وضع الأمور في حجمها الطبيعي دون مبالغة وفي مكانها الطبيعي دون ابتزاز هو خطوة هامة على طريق حل المشكلة.. وأن التضخيم والمبالغة وتحميل الأمور ما لا تحتمل هو أول العقبات في طريق الحل وإشاعة سوء الظن وعدم الثقة، لا بد أن يدرك الجميع أن الخطأ يرتكبه فرد أو مجموعة.. وأن عامة المجتمع المسلم أو القبطي ليس مطلوبًا منه أن يتحمل مسئولية مرتكب ذلك الخطأ.. وإنما ينبغي أن يتحمل المخطئ وحده نتيجة خطئه".
لا تشكل هذه التصريحات والبيانات الصادرة عن الجماعة أرضية مشتركة للحوار، فالأول ناجح إبراهيم ينفي وجود مشاكل ويستخدم نفس الحجج الواهية بأن هناك من الأقباط من يملكون المال ويتولون المناصب القيادية، وتجاهل النقطة الجوهرية أن هناك حالة عامة من التمييز ضد الأقباط سواء في ممارسة الشعائر الدينية أو في تولى المناصب القيادية، فهناك قطاعات بالكامل لا يوجد فيها أي مسيحي مثل المخابرات وأمن الدولة ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات وغيرها، إضافة إلى مشاكل بناء الكنائس وحرية ممارسة الشعائر الدينية.
أما اتهام الأقباط المدافعين عن حقوقهم بالعمالة للدول الأجنبية وتلقي أموال من جهات مشبوهة فمردود عليه بأنه لم تثبت أجهزة الأمن المصرية أي واقعة من هذا القبيل بينما ملفات الجماعة تشير إلى تلقي قياداتها أموال من الخارج والتنسيق مع منظمات ودول أجنبية، وقد تمت معاقبة بعض زعماء الجماعة بالاعتقال والسجن نتيجة ذلك، فإذا اتهم كل مطالب بحقه بالعمالة فمن المؤكد سيصبح كل المصريين عملاء!!
هذا إضافة إلى أن تصريح رئيس الجماعة يحمل تحريضًا لا لبس فيه ضد رجال الدين المسيحي بحجة أن الدولة ضعيفة أمامهم ولا تستطيع نقل أي منهم، وهذا تزوير وخلط للأمور، فرجال الدين المسيحي لا يعتبرون موظفون في الدولة مثل شيوخ المساجد وتدفع الكنيسة من إيرادتها مرتباتهم، وبالتالي ليس للدولة سلطان عليهم طالما التزموا القانون.
هل نحتاج إلى موت كل المسيحيين ليتأكد إخوانهم في الوطن أنهم يتعرضون لانتهاكات وتمييز؟!
إن الجماعة تستخدم منطق غريب يطالب الأقباط بالسكوت على الانتهاكات التي يتعرضون لها وأن يصمتوا تجاه إهدار حقوقهم باعتبارها جزءًا من مشاكل الوطن ككل!!
ثم يتحدثون عن الحوار!!
إذا امتلكت الجماعة فضيلة الاعتراف بالخطأ وتخلت عن فكر التطرف وأرادت أن يكون لها دورًا في بناء مصر المستقبل ووقفت على نفس الأرضية مع المصريين الشرفاء سيتم الترحيب بالحوار معها على عدة أسس تبدأ باحترام القانون والنظام الجمهوري للدولة وعدم الإنفراد بالحكم وطابع الدولي المدني واحترام التعددية الفكرية والسياسية وعدم الاستبداد والمساواة الكاملة لكل المصريين والعدالة. لا أعتقد أن الجماعة الإسلامية قادرة على ذلك لأنها إذا تخلت عن الأفكار المتشددة وقدمت وعودًا بالحفاظ على الطابع المدني للدولة وتحقيق المواطنة الكاملة للجميع لن تصبح جماعة إسلامية في هذه الحالة.