سحر الجعارة
استرعى انتباهى تساؤلٌ على «فيسبوك» عن ثروة الكاتبة الكبيرة «فريدة الشوباشى»، بعدما تحدثت عن ثروة أحد العاملين بمجال «حقوق الإنسان»، وكان تعليقى محددا، ليس دفاعا عن الذمة المالية للأستاذة «فريدة، بل لأن عملية» التشكيك والتخوين «وقذائف اللهب بدلا من أن تتجه صوب العدو، نجد بعض من يسمونهم النخبة يوجهونها للشرفاء»!.. كأننا ندير ظهورنا لقنوات تنهش أوطاننا بسهام الإعلام كل دقيقة، (الجزيرة والشرق ومكملين... إلخ)، لنغمد سيوفنا المسمومة فى قلوب بعض!
بغض النظر عن أن الشوباشى كونت ما لديها من مال من عملها طوال حياتها هى وزوجها الكاتب الراحل على الشوباشى بفرنسا، وبغض النظر أيضا عن أن السؤال حق مشروع لكل مواطن.. ولكن تبقى لنا- أيضا- تساؤلات:
ألا يعرف الشعب بأكمله قضية التمويل الأجنبى لبعض المنظمات الحقوقية العاملة فى مصر، (ولن أسمى أسماء بعينها)؟
ألا تعرف النخبة أن الغياب عن معركة الوطن خيانة، وأن تصفية الحسابات ليس مجالها الآن، وأنه لا يجوز ابتزاز النظام بحكومته بمطالب سياسية أو فئوية؟
للأسف أصبحت السوشيال ميديا ساحة حرب، وأدواتها أخطر بكثير من وسائل الإعلام التقليدية. لقد بدأت الحرب ضد مصر من هناك، وهناك أيضا يتم اغتيال الشخصية بآليات محددة وخارجة عن مفهوم الحرية الحقيقى، منها الكليبات وانتزاع العبارات من سياقها والصور والألفاظ الخارجة.. وكلها مواقع حربية تمت تجربتها فى الكتاب والمبدعين قبل السياسيين!
لقد تحول العالم الافتراضى كابوسًا حقيقيًا، تغيب فيه الحقيقة، ويختلط فيه الوهم بالواقع، وتختلط الأوراق، وتشتبك وجوه للأسف تنتمى لنفس الفصيل السياسى.. هوجة من نوع جذاب وشيق ومتنوع، خليط من المصريين والعرب والأجانب، والأخبار المفبركة تطرد الأخبار الصحيحة.. والمواطن تائه لا يعرف يصدق من ويكذب من!
التنوير تحول إلى عُرْى وإباحية! وتيار الإسلام السياسى يحترف تكفير المفكرين، وبعض الأصوليين يستخدمونه للهجوم على الفن والفنانين، والسلفية الجهادية التكفيرية ومعها التنظيمات الإرهابية تتخذه منصة لنشر أفكارها ولو بحسابات مزيفة، كما رأينا على تويتر. أنا شخصيا عندما قررت إدارة تويتر استبعاد الحسابات الوهمية لم أجد 20 ألفًا من المتابعين.. قطعا كانوا من الكتائب الإلكترونية للإخوان!
وأنت لا تعرف كيف تميز اللجان الإلكترونية من الأشخاص الحقيقيين، إلا بعلامة توثيق الحساب أحيانا، وهذا طبيعى بالنسبة للمواطن العادى، ولكن أن تكون محسوبا على النخبة، ولا تميز العدو من الصديق فهذه كارثة!
الكارثة أن تتخيل أنك انتقيت الأصدقاء وأنهم مثقفون ومفكرون أو كادر سياسى.. لكن لنعترف أن الزيف لم يمتد ليصيب وعى الإنسان فحسب، بل إن بعض من نحسبهم ضمن النخبة المثقفة أو السياسية أو صفوة المجتمع هو أنفسهم مزيفون!
كاتب سياسى اشتهر بدعوته للمصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية، يخرج مجددا فى الهوجة ليفرض وجوده! وكاتب آخر محسوب على شلة الخونة ينشط فجأة من حالة الموت الإكلينيكى وتدب فيه رغبة الانتقام من الوطن!
تعمدت أن أبتعد عن سياسة التشهير بعدم ذكر الأسماء، ولكن هذا العالم الذى يستبيح الأوطان لا يخضع لأى قانون فيه إلا الصحفى، لأنه الوحيد الذى يساءل- بموجب قانون الصحافة- حتى عن تعليقات القراء على ما يكتب.
لقد أصبحت السوشيال ميديا بديلًا عن الأحزاب الكرتونية، فلدينا حوالى 102 حزب تأسست بعد ثورة 25 يناير ومعظمها بلا أى قاعدة جماهيرية ولا تأثير فى الشارع المصرى.. اللهم إلا الأحزاب الدينية منها التى تستغل شرعيتها المزعومة، رغم أنف الدستور، لنشر الفكر السلفى والإبقاء على الفاشية الدينية.
نحن أمام حالة هستيريا جماعية، لا ينتبه فيها المواطن إلى أن الوطن مستهدف، وأن البعض يقومون بغزو عقله وإجراء عملية غسيل أدمغة وحشوها بما يريدون.. لقد عرف أولادنا الصغار تركيب القنابل اليدوية من الإنترنت، والعالم كله شهد بأن تنظيم داعش الإرهابى يستقطب الشباب ويجندهم من السوشيال ميديا.. لكننا لم نتعظ!
ولاتزال عمليات التصفية المعنوية مستمرة، ولايزال اغتيال الأوطان بالأكاذيب والشائعات مستمرًا.. كأنها لعنة جماعية أو حلقة زار فيها كل أطياف الأشباح التى تتراقص حولك، وهى تتمتم بطلاسم الفن والدين والسياسة.. والبيزنس فى قرية صغيرة تقع فيها البورصات العالمية بشائعة واحدة.
نقلا عن المصرى اليوم