تابعت على شبكة «نتفيلكس» ثلاث حلقات من برنامج تسجيلى عن بيل جيتس، هو رحلة داخل عقل العبقرى وأغنى رجل فى العالم بعنوان «فك شفرة بيل جيتس»، البرنامج هو فيلم وثائقى طويل على ثلاثة أجزاء، يتوازى فيه خطان، الأول ما بعد تقاعده أو تركه لـ«مايكروسوفت» وإنشائه لمؤسسته الخيرية مع زوجته «ميلندا». والثانى رحلة نجاحه منذ الطفولة حتى صارت شركته أكبر شركة برمجيات وحاسبات فى العالم. شفرة بيل جيتس هى الحلم والقدرة على تحقيق الحلم، وهناك فرق بين الأحلام والهلاوس، أحلام بيل جيتس بلا سقف، ولكن ما يميزها هى قدرته على تجاوز السقف وتحقيق الحلم مهما كان خيالياً ومستحيلاً. الحلقة الأولى كانت عن حلمه بصرف صحى ينقذ الدول الفقيرة، قرأ عن ارتفاع نسب وفيات الأطفال فى أفريقيا نتيجة الإسهال الناتج عن اختلاط مياه الشرب بالفضلات الآدمية، وجد أن محطات الصرف الصحى تحتاج إلى عشرات المليارات، حفز العلماء ووضع المكافآت لاختراع «مرحاض» يحول الفضلات ويستفيد منها فى توليد طاقة يعمل بها ذاتياً ويفصل مكوناتها ويستخلص منها مياهاً للشرب. ودارت عجلة الخيال، وأبدعت قريحة العلماء عدة مراحيض اختار منها «جيتس» أفضلها، وبدأت دول أفريقية فقيرة فى استخدامه وإنقاذ أطفالها. الحلقة الثانية كانت عن مشروعه للقضاء على شلل الأطفال فى العالم، وكيف فكر خارج الصندوق ليجيب عن سؤال مهم: لماذا فشل التطعيم فى نيجيريا؟ كانت الإجابة عدم وجود خريطة محددة للمناطق الموبوءة، حددها بيل جيتس، وبدأت رحلة القضاء على المرض، ولكن إرهاب «بوكو حرام» وثقافة الموت التى تتبناها تلك العصابة أخَّرت إعلان هذا الفوز والانتصار للأسف، تابعوا فرق التطعيم ومنهم مَن قُتلوا بأيديهم عقاباً لهم على تطعيم الأطفال وإنقاذهم. كانت الحلقة الثالثة عن مشكلة أرَّقت بيل جيتس، وخصص لها النصيب الأكبر من اهتمامه وميزانية مؤسسته، وهى مشكلة الطاقة والتلوث. فى كل مشكلة يتصدى لها بيل جيتس تجده متأملاً، دارساً بدقة، قارئاً بنهم وفى كل المجالات وليس فى مجال المشكلة فقط. سلط الفيلم الضوء على طفولة بيل جيتس التى كان يفضل فيها العزلة، وفقدانه لأمه التى ماتت بالسرطان والتى تركت له أكبر حزن فى حياته، إخلاصه لشركائه فى رحلة النجاح، عشقه الشديد لزوجته «ميلندا»، إصراره وعدم يأسه من تحقيق حلمه، استفزاز طاقات العاملين معه هى موهبته الخارقة، نظرته للعالم كله على أنه بيته الكبير، فلا يهم أن يصرف على لقاح ضد شلل الأطفال لأطفال نيجيريا المليارات، لكن المهم أن ينقذ الأطفال الفقراء من هذا المصير الأسود، النقود عنده ليست للاكتناز ولا الابتزاز، وإنما هى للتواصل والاعتزاز، فهل فهم رجال الأعمال عندنا الرسالة حين شاهدوا الفيلم؟!
نقلا عن الوطن