كتب : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
لا ريب أن الإعلام في عصرنا الحالي ــ بحضوره الهام عبر تعدد وسائطه وتطور تقنيات آلياته ــ باتت له حالة من التسيد المؤثر بقدر يتعاظم يومًا بعد يوم ، وبمساحات انتشار تتزايد بأشكال تقليدية ومباشرة ، وأخرى غير تقليدية غير مباشرة .. وصارت الرسائل الإعلامية جاهزة لاختراق آذان وعيون المتلقي بشراسة ولجاجة في تنوع و تكرار لتفعيل عمليات الاقتحام لتنفذ إلى ذهن وعقل ووجدان ومشاعر الناس بالقوة الجبرية في الكثير من الأحيان !!..
وفي بعض الأحيان الأخرى يبدو الأمر مًقلقًا و مُزعجًا ، بل و مُخيفًا في مقابل تلك النوعية من الإعلام شديد الاتقان في تسبيك صانعيه الخلطة الإعلامية ، فإذا بالمتلقي وكأنه في محيط هواء إحدى مركبات ألعاب الملاهي الشهيرة ، ولا يبالي مُشغلها والرابح من تشغيلها بصرخات الخوف والجزع من جانب المتلهي بها حتى لو كانوا من الأطفال في عمر الزهور !!
ولكن ، على الجانب الآخر هناك استثمار إيجابي للإعلام الدعائي في خدمة البشر والإنسانية والسعي لإقامة السلام ، فمنذ ما يزيد عن 40 سنة ، وعلى أرض قرية ترانج بانج الفيتنامية ، وتحديدًا يوم 8 يونيو 1972 كان العالم كله على موعد لمشاهدة صورة شهيرة لفتاة فيتنامية ( كيم فان ) وهي تركض عارية مسرعة مذعورة متألمة خائفة تصرخ من شدة الألم لاحتراق جسدها بنار النابالم الأمريكي ، ثم قيل أن أيامها على قيد الحياة قد صارت معدودة ، وتم إجراء 17 عملية جراحية للفتاة ، ثم انتقلت وعائلتها للعيش في كندا ، وتم دعوتها في ذكرى حرب فيتنام عام 1996 للولايات المتحدة، لإلقاء كلمة بدأتها بقولها " نحن لا نستطيع أن نغير الماضي ولكننا نستطيع أن نعمل جميعاً من أجل مستقبل يعمّه السلام ". وقد كانت تلك الصورة لبدء حملة ضغط عالمية على الولايات المتحدة الأمريكية ، ودعوة لتطفئ نار حرب بشعة غير متكافئة استمرت على أرض فيتنام " ..
ولكننا في منطقتنا العربية ، لا نجيد صياغة مثل تلك الرسائل المؤثرة ، ولا نعلم سر الخلطة الحريفة لتسبيك تلك الرسائل ، ومن ثم لتصديرها إلى كل الدنيا لتحقيق الغايات المنشودة .. لقد مرت 48 عاماً على مجزرة بحر البقر التى ارتكبها العدو الإسرائيلى فى حق أطفال محافظة الشرقية عام 1970، حيث قامت طائرات الفانتوم الأمريكية فى الساعة التاسعة وعشرين دقيقة صباح يوم الأربعاء الموافق 8 أبريل بإطلاق خمس قنابل متتالية وصاروخين على مدرسة بحر البقر الابتدائية التابعة لمركز الحسينية بمحافظة الشرقية، لتتناثر أشلاء الطلاب فى كل مكان وتكسوا دمائهم "الكراريس" والكتب، ويموت 30 طفلاً لا ذنب لهم، ويصاب 50 آخرين ليكملوا حياتهم بأجساد تحمل من تلك الذكرى ما لا يمكن نسيانه... ويبقى السؤال : هل نجحنا في إعلام الدنيا بمدى وحشية وبشاعة المجرم الجاني ؟!
رغم أن لدينا مبدعين و رموز لقوى ناعمة رائعة ، ولكن الإعلام العليل غير قادر على استثمار ابداعاتهم ، وإيجاد السبل والوسائل لتصدير رسائل ناجحة للتأثير على الرأي العام العالمي في معظم الأحوال ...ومنْ مِن الذين عاصروا ذلك الحدث الإجرامي يمكن أن ينسى ما كتب العظيم الراحل " صلاح جاهين " وبمداد الحزن والغضب عقب الكارثة ، كتب " الدرس انتهى لموا الكراريس بالدم اللى على ورقهم سال.. في قصر الأمم المتحدة مسابقة لرسوم الأطفال.. إيه رأيك في البقع الحمرا يا ضمير العالم يا عزيزى.. دى لطفلة مصرية سمرا كانت من أشطر تلاميذى.. دمها راسم زهرة ، راسم راية ثورة، راسم وجه مؤامرة، راسم خلق جبابرة.. راسم نار راسم عار ع الصهيونية و الاستعمار.. والدنيا عليهم صابرة وساكتة على فعل الأباليس.. الدرس انتهى لموا الكراريس " ..