محمود العلايلي
استكمالًا لما ذكرته الأسبوع الماضى عما تم التوافق على تسميته «حروب الجيل الرابع» فيجب أن نذكر فى نفس السياق أن بعض آليات هذا النوع من الحروب غير مقصورة على الجماعات الإرهابية أو التيارات العنيفة فقط، لأن هناك دولا تستخدم الهجمات السيبرانية بشكل ممنهج ومنظم، وتلك كانت التهمة الموجهة لروسيا فى التأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة التى تفوق فيها دونالد ترامب على هيلارى كلينتون، والمفهوم بالطبع أن الروس لم يتدخلوا فى صناديق الاقتراع أو آليات الفرز والجمع، ولكن كان تدخلهم عن طريق جمع بيانات عدد هائل من الناخبين عن طريق شركة بريطانية، وباستخدام هذه البيانات تم إرسال العديد من الرسائل والأخبار الموجهة للتأثير على الناخبين والتحكم فى ميولهم السياسية، ومن ثم كانت النتيجة المفاجئة للعديد من المراقبين والمحللين. وكما أسلفت فإن مؤسسات المجتمع الدولى تعمل على التعاون الأمنى والتبادل المعلوماتى، وإن كان هناك العديد من المعوقات على هذه الأصعدة،
فأولا: تعانى الدول الديمقراطية من التفرقة بين فكرة التنظيم والخوف من الرقابة،
ثانيا: يظل موضوع تنظيم الاستخدام الرقمى خليطا من القوانين المنظمة المرتبطة بالتبعية بالتكنولوجيا التى تتطور على مدار الساعة،
وثالثا: مخاوف أخلاقية من أى خروقات قد تمس الحريات الخصوصية، ثم تأتى المشكلة الرئيسية فى تنظيم الاستخدام الرقمى أنه ليس هناك إلى الآن قانون دولى يسرى على الجميع، ولذلك كان وما زال من السهولة اختراق قوانين أى دولة أو مجموعة دول، عن طريق العمل من مكان تختلف فيه القوانين، كما هو الحال فى الفارق بين القوانين الأوروبية والأمريكية مثلا، أو القوانين الروسية والصينية المنظمة للاتصالات والاستخدام الرقمى وباقى دول العالم. ولا يفترق الوضع فى مصر كثيرا عن باقى دول العالم من حيث التحديات، وتحاول الدولة جاهدة أن تواجه هذه الأمور بحسب ما يتوفر من آليات، فالآلية الأولى هى محاولة بث منشورات سياسية مسبقة أو للرد على أى شائعة أو خبر مغلوط، والآلية الثانية هى محاولة استخدام قوانين المنصات الرقمية بالإبلاغ عن الحسابات الوهمية،
وأصحاب الحسابات الذين ينشرون محتوى يدعو للعنف أو الحض على الكراهية أو أخبارا كاذبة، ثم تأتى الآلية الأخيرة وهى حجب المواقع التى ترى الدولة عدم موضوعيتها أو إصرارها على اتخاذ خط مضاد، وهى آلية باهظة الثمن السياسى لمعاداتها حرية النشر، كما أنها لا تجدى إلا مع بعض المواقع أو البوابات حديثة العهد والتأثير، أما وكالات الأنباء الكبيرة فتمثل ما لا يمكن حجبه أو التأثير على محتواه.
وبالإضافة إلى ما فات من تحديات على المستوى الدولى، يأتى تفرد الحالة المصرية فى استخدام الألفاظ حيث طغى تعبير «حروب الجيل الرابع» على ما سواه من المصطلحات السياسية على الساحة المصرية أخيرا، وذلك بعد استخدامه من قبل القيادة السياسية لتقرير نوعيات التحديات وتوصيفها بشكل مدقق ورصين، فالتقف التعبير أغلب الإعلاميين وضيوفهم، يلوكونه أو يصرخون به محذرين المواطنين، ومتوعدين الخونة والأعداء، وأصبحت الحاجة لاستخدام تعبير «حروب الجيل الرابع» مثل الحاجة إلى «شربة الدود» الشهيرة التى تعالج كل الأمراض، من الأمراض الجلدية إلى عسر الهضم والتعنية، فصار يطلق على أى حدث سواء استوفى مقتضيات التعبير أم لا، بداية من هجمات الطائرات المسيرة، أو حوادث الخطف والتفجير، إلى جرائم النفس والشرف!، وبدلا من اعتباره مصطلحا سياسيا ذا دلالة، صار مزحة بانتهاك استخدامه، ومدعاة للتندر كلما ذكره إعلامى معدوم المصداقية، أو شخصية عامة محط للسخرية، ففقد التعبير الأصلى معناه، كما فقده من قبل مفهوم «الأمن القومى» الذى تم ابتذاله فى مجال مباريات الدورى العام، مرورا برغيف الخبز، وأحوال أسطوانة البوتاجاز وسعر المعسل، بينما نادرا ما يذكر فى سياق الأوضاع على الحدود أو التهديدات الإقليمية!!
نقلا عن المصرى اليوم