مدحت بشاي
هل يمكن باسم استدعاء شعار «حرية المثقف» القبول بإشاعته ثقافة العداوة والنفور الاجتماعى بين فئات المجتمع، فيساهم بشكل أو بآخر فى تشكيل حالة صراع بين فرقاء على أرض باتت ساخنة وجاهزة كميدان لحالة احتراب بينية؟.
وهل يمكن للثقافة أن تملك مكتسبها حرية الترويج لمفاهيم داعمة للتمايز العنصرى أو الدينى والمذهبى، وصولًا لما قد يصورونه حرية التكفير والإجهاز المعنوى على صاحب الثقافة المخالفة؟.
ولماذا يغلب على نشاط بعض السياسيين ممارستها تحت عناوين وتوجهات ثقافية؟.. والحال كذلك بالنسبة لبعض أهل الثقافة ورموزها عندما تكون أغلب فعالياتهم وتوجهاتهم سياسية..
قد يكون من المقبول أن نرى بعض الممارسات السياسية مدعومة بفكر وتوجه ثقافى يُعلى من قدرها، وقد يكون العكس كذلك يمكن قبوله فى بعض الأحيان.. ولكن تبقى صعوبة قبول السياسى وقد اكتفى بقبعة المثقف دونما امتلاك خبرات وعلوم سياسية، وقبول المثقف وقد تم تسييس مواقفه.
والحديث هنا لا يقصد به الشاعر المناضل بالحرف والكلمة مدافعًا عن استحقاقات وطنية، ولا الاقتراب من الفنان والمبدع الذى يغمس ريشته فى قوارير ألوان الهم الوطنى لإعادة تشكيل ورسم لوحة الحلم الإنسانى العام للعيش فى سلام اجتماعى.. إنما هنا الحديث عن محترف العمل السياسى إذا توهته رغبات الصعود إلى منابر شدو القصائد، وأيضًا المبدع المثقف إذا تاجر بإبداعاته لترويج فكر سياسى ما.
وهذا يشبه إلى حد كبير الكلام عن علاقة الدين والسياسة، فبعض اهتمامات الدين سياسية، وبعض اهتمامات السياسة لها علاقة بالدين. وخطر تسييس الدين أشد من خطر تسييس الثقافة. وليس تسييس الدين وحده الذى يشكل مشكلة، بل حتى ما يمكن الاصطلاح عليه بتديين السياسة، بمعنى أدلجتها دينيا. وللقارئ العزيز أُذكّر بمقال تاريخى للسياسى والزعيم «مصطفى كامل» تحت عنوان «الدين والسياسة» فى العدد 37 بجريدة اللواء بتاريخ 12 فبراير 1900: أوضحنا فى مقالات متعددة أن الدين والسياسة توأمان لا يفترقان بالبراهين المحسوسة والدلائل القوية.. إن الدول الأوروبية لم تنل من المدنية والمجد والسلطة ما نالت إلا باعتمادها على مبادئ الدين فى سياستها حتى صح أن تسمى السياسة الأوروبية «السياسة المسيحية»، لكونها ترقى دائمًا إلى رفع شأن الدين المسيحى على غيره من الأديان، وتجعل رجاله آلة قوية فى الشرق الأدنى والأقصى لبلوغ غاياتها السياسية ومآربها المختلفة.. ومن يتصفح تاريخ الدولة العلية ويمعن النظر فى أحوالها من أول يوم وُضع فيه أساسها إلى هذا اليوم، يجد أن أوروبا لم تحاربها إلا بسبب الدين ولم تتدخل فى شؤونها الداخلية إلا بدعوى نصرة الدين، ولم تعادها إلا لأنها دولة إسلامية.. وكأن الدول الأوروبية علمت أننا إذا تمسكنا بالدين استرجعنا قوتنا وعظمتنا، فتراها تعمل ما فى وسعها لإبعادنا عن مبادئ ديننا، وصنائع أوروبا فى الشرق لا يكرهون شيئًا مثل مقام خطباء الإسلام وكتابه بدعوة المسلمين إلى التمسك بدينهم الكريم والعمل لإحياء مبادئه الشريفة الظاهرة التى قهرناها بجهلنا واستسلامنا للأجانب والأعداء.
إلى هنا ينتهى الاقتباس من جريدة اللواء وحديث «مصطفى كامل» إلى الغرب وإلى مواطنيه على أرض المحروسة، والتى نرى فيها الجانب المتناقض من شخصية الزعيم، إلى حد عدم التصديق أن تلك العبارات جاءت على لسانه وعلى صفحات جريدة مطبوعة، رغم أنه صاحب الأدوار التنويرية والوطنية الرائعة.. من منا يمكن أن ينسى دوره فى إنشاء أول جامعة فى مصر على سبيل المثال وغيرها من المشاركات الوطنية الرائدة.
نقلا عن المصرى اليوم