ولد الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، في منزل والده الكائن في 12 شارع قنواتي بحي باكوس بالإسكندرية، في 15 يناير 1918.
وكان عبد الناصر، الابن الأول لوالديه، وهو ينتمي لأصول صعيدية، حيث ولد والده في قرية بني مر في أسيوط، ونشأ في الإسكندرية، وعمل وكيلًا لمكتب بريد باكوس، وهناك تزوج من «فهيمة»، المولودة في ملوي بالمنيا.
وبحكم عمل الوالد، انتقلت أسرة عبد الناصر، عام 1921، إلى أسيوط وبعدها بعامين إلى الخطاطبة.
التحق عبد الناصر بروضة الأطفال بمحرم بك في الإسكندرية، ثم بالمدرسة الإبتدائية بالخطاطبة بين 1923 و1924، وفي 1925 دخل مدرسة النحاسين الإبتدائية بالجمالية بالقاهرة، وأقام عند عمه خليل حسين، مدة 3 سنوات.
كان عبد الناصر يسافر لزيارة أسرته بالإسكندرية أثناء العطلات الدراسية، ويتبادل الرسائل مع والدته، فلما توقفت الرسائل في أبريل 1926، أسرع بالعودة إلى الخطاطبة، وعلم أن والدته ماتت قبل أسابيع، بعد ولادتها لأخيه الثالث «شوقي»، ولم يملك أحد الشجاعة لإخباره بذلك، وتعمق حزنه عندما تزوج والده من أخرى.
أتم عبد الناصر السنة الثالثة في مدرسة النحاسين بالقاهرة، ووقتها أرسله والده، عام 1928، عند جده لوالدته، فقضى السنة الرابعة الإبتدائية في مدرسة العطارين بالإسكندرية، ثم التحق بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية لعام واحد، ثم انتقل، عام 1930، إلى مدرسة رأس التين بالإسكندرية، بعدما انتقل والده للعمل في الخدمة البريدية هناك.
بدأ عبد الناصر نشاطه السياسي عندما رأى مظاهرة في ميدان المنشية بالإسكندرية، وانضم إليها، دون أن يعلم مطالبها، وعلم بعد ذلك أن هذا الاحتجاج كان من تنظيم جمعية «مصر الفتاة»، بغرض التنديد بالاحتلال الإنجليزي، عقب قرار إلغاء دستور 1923.
وقتها وقع في قبضة الأمن، وتم احتجازه ليلة واحدة، حتى أخرجه والده، ثم انتقل عبد الناصر مع أبيه للقاهرة، عام 1933، والتحق بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة ومثل في عدة مسرحيات مدرسية، وكتب مقالات بمجلة المدرسة، منها مقالة عن الفيلسوف الفرنسي، فولتير، بعنوان «فولتير.. رجل الحرية».
وفي 13 نوفمبر 1935، قاد مظاهرة طلابية ضد الحكم البريطاني، احتجاجا على البيان، الذي أدلى به صمويل هور، وزير الخارجية البريطاني، الذي رفض العودة الحياة الدستورية في مصر، وأصيب عبد الناصر بجرح في جبينه سببته رصاصة من ضابط إنجليزي، وأسرع به زملاؤه إلى دار جريدة «الجهاد»، التي كان يصدرها ويملكها توفيق دياب حيث وقع الحادث بجوارها، ونشر اسمه في العدد، الذي صدر صباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى.
تنامى نشاط ناصر السياسي أثناء سنوات الدراسة حتى حصل على الثانوية في مدرسة النهضة، وظهر ميله الشديد للقراءة في كل فروع المعرفة وبالأخص في الأدب والمسرح والسياسة والتاريخ والفلسفة، بالإضافة إلى السير الذاتية للزعماء القوميين مثل «نابليون، أتاتورك، أوتو فون بسمارك، جاريبالدي، ونستون تشرشل»، وكان متأثرًا إلى حد كبير بالقومية المصرية، التي اعتنقها السياسي مصطفى كامل، والعسكري عزيز المصري.
كما تأثر ناصر بشدة برواية عودة الروح للروائي الراحل توفيق الحكيم، بل كانت مصدر إلهام له.
تقدم عبد الناصر، عام 1937، إلى الكلية الحربية ولم يقبل، فالتحق بكلية الحقوق في جامعة الملك فؤاد، «جامعة القاهرة حاليًا»، وتركها بعد فصل دراسي واحد، ليعاود محاولة الالتحاق بالكلية الحربية، بعد إعلانها استعدادها لقبول دفعة استثنائية، ووقتها تم قبوله.
تخرج عبد الناصر في «الحربية»، عام 1937، والتحق بسلاح المشاة، وانتقل للسودان بعد 4 سنوات ثم عاد منها، عام 1942، وحصل حينها على وظيفة مدرب في الأكاديمية العسكرية الملكية بالقاهرة، مايو 1943، ثم تم قبوله في كلية الأركان، وبعدها شارك في حرب فلسطين 1948، وخدم في كتيبة المشاة السادسة، وحوصرت فرقته في الفالوجة وأصيب بجروح، ورفضت كتبيته الاستسلام، إلى أن أدت المفاوضات إلى التنازل عن الفالوجة لإسرائيل.
عاد عبد الناصر إلى وظيفته مدرسا في الأكاديمية، عام 1949، وعمل على اختيار مجموعة من الضباط الوطنيين للعمل تحت اسم «جمعية الضباط الأحرار»، ونظم «اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار»، والتي تألفت من 14 عضوًا من مختلف الخلفيات السياسية والإجتماعية، بما في ذلك ممثلين عن «الشباب المصريين والإخوان المسلمين والحزب الشيوعي المصري، والطبقة الأرستقراطية».
وانتخب ناصر رئيسًا للجمعية، وعام 1950، وصل عدد قادة تنظيم «الضباط الأحرار» إلى 90 عضوًا، ولم يكن أحد يعرف جميع الأعضاء ومكانهم في التسلسل الهرمي باستثنائه، وظل نشاطه مقتصرًا لعامين على تجنيد الضباط ونشر المنشورات السرية، إلى أن كانت انتخابات نادي الضباط، الذي رشح فيه الملك فاروق، حليفه، حسين سري عامر، لينافس اللواء محمد نجيب.
وكان عبد الحكيم عامر نجح في ضم «نجيب» للتنظيم، الذي فاز في الانتخابات فألغاها «فاروق»، ثم كانت مجزرة الإسماعيلية في 25 يناير عام 1952، ثم حريق القاهرة، مما عجل بقيام الثورة، التي انطلقت في 23 يوليو 1952، حيث استولى الضباط الأحرار على مقر قيادة الجيش والإذاعة والمرافق الحيوية.
وفي 18 يونيو 1953، تم إلغاء النظام الملكي وأعلنت الجمهورية، وكان «نجيب» أول رئيس للبلاد، وحكم الضباط الأحرار باسم «مجلس قيادة الثورة"» عن طريق «نجيب»، وفي مارس 1953، قاد ناصر الوفد المصري للتفاوض على انسحاب القوات البريطانية من قناة السويس.
تكرر الخلاف بين «ناصر ونجيب»، وانتهى بتنحية الثاني، بينما جاء الأول رئيسًا للجمهورية.
في 26 أكتوبر1954، حاول محمد عبد اللطيف، أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، اغتيال عبد الناصر، عندما كان يلقي خطابًا في المنشية، وبعد عودته إلى القاهرة، اعتقل عددًا من أعضاء «الإخوان»، وأقال 140 ضابطًا مواليًا لـ«نجيب»، كما حكم على 8 من قادة «الإخوان» بالإعدام.
رأى ناصر أن الحفاظ على الموقع الريادي الإقليمي لمصر، يكون باللجوء إلى الكتلة الشرقية فأبرم اتفاق شراء أسلحة من تشيكوسلوفاكيا، وأصبح ميزان القوى بين مصر وإسرائيل أكثر تعادلًا، وتعزز دوره كقائد للعرب يتحدى الغرب.
وسعت جهود عبد الناصر للتصدي للاستعمار في أفريقيا وآسيا، وتعزيز السلام العالمي في ظل الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفييتي، وقدم الدعم من أجل استقلال تونس والجزائر والمغرب عن الحكم الفرنسي، ودعم حق عودة الفلسطينيين، وبعد مؤتمر «باندونج»، أعلن «الحياد الإيجابي» لمصر بشأن الحرب الباردة.
عام 1958، أقام وحدة اندماجية مع سوريا إلا أن هذه الوحدة لم تدم طويلاً، حيث حدث انقلاب في سوريا، سبتمبر1961، مما أدى إلى إعلان الانفصال، وبعد نكسة 1967، خرج عبدالناصر على الجماهير معلنًا تنحيه عن منصبه، إلا أن المظاهرات في العديد من مدن مصر وفي القاهرة طالبته بعدم التنحي، فعدل عن قراره وخاض حرب استنزاف ضارية ومؤلمة لإسرائيل.
حقق ناصر نجاحات عدة، رغم انتقادات البعض لفترة حكمه، من بينها تأميم قناة السويس، وإنشاء السد العالي على نهر النيل، كما أنشأ بحيرة ناصر، وأسس منظمة «عدم الانحياز» مع تيتو وسوكارنو ونهرو، وساهم في تأسيس منظمة التعاون الإسلامي، عام 1969، وأصدر قوانين الإصلاح الزراعي، وأنشأ التليفزيون المصري، وبنى ستاد القاهرة الرياضي بمدينة نصر، فضلًا عن برج القاهرة.
كما توسع في التعليم المجاني على كل المراحل، وتوسع في مجال الصناعات التحويلية، حيث انشأ أكثر من 3600 مصنعًا وعدة مدن وأحياء جديدة، مثل مدينة نصر، كما أسس جهاز المخابرات العامة المصرية.
عمل عبد الناصر على دعم القضية الفلسطينية واعتبرها من أولوياته، وساند ثورة الجزائر كما ساند ثورة اليمن، بزعامة المشير عبد الله السلال، عام 1962، ضد الحكم الإمامي الملكي.
كما شهدت الثقافة والفنون كالسينما والمسرح ازدهارا لافتًا في عهده.
كانت آخر مهامه الوساطة لإيقاف أحداث «أيلول الأسود» بالأردن، بين الحكومة الأردنية والمنظمات الفلسطينية، في قمة القاهرة من 26 إلى 28 سبتمبر 1970، حيث عاد من مطار القاهرة بعدما ودع صباح السالم الصباح أمير الكويت، حينها داهمته نوبة قلبية، وتوفي في مثل هذا اليوم 28 سبتمبر 1970، عن 52 عاما، بعد 16 عامًا قضاها في الحكم.