عاتبنى صديقى الطبيب المشهور على عدم الإشارة إلى صغار الأطباء المكافحين فى مستشفياتنا، وفى مراكز العناية المركزة فى أنحاء مصر، والمرابطين منهم خلف الخطوط دون دعاية أو إعلان أو مرتبات مجزية أو حوافز مرضية، وذلك فى مقالى الجمعة قبل الماضى فى «الوطن» تحت عنوان «المستشفيات الخاصة»، وما يعانيه المرضى والمترددون عليها، وما يكابدونه من دكاترة المقاولات، وأشار إلى كيف يتحمل صغار الأطباء ردود أفعال المرضى وغضبهم، رداً على نقص الإمكانيات أو إهمال المستشفيات، وقد يصل الغضب إلى الاعتداء بالضرب أو الإهانة أو التجريح، ويحدث أحياناً من القائمين على حمايتهم، وهم لا يملكون من الأمر شيئاً، أو حتى من أمر أنفسهم إلا القليل فى هذا الموقف، سواء كان هذا بإشارة بسيطة أو شكر واجب، وكان من الخطأ ربطهم مع حيتان الأطباء وجشع المستشفيات الخاصة، وأزيده أيضاً، وأضم إليهم الكثير من كبار الأطباء الشرفاء الذين يحملون رسالة سامية وراقية، ويلتزمون بالقسم الذى أقسموه، ويسهمون فى رفع الألم عن المرضى بمقابل رمزى، بل ويسهمون فى علاجهم، وأعتذر لصديقى ولصغار الأطباء والكبار الأوفياء منهم لوطنهم ولأهلهم وهم جميعاً على العين والرأس لعدم الإشارة لهم فى موضع المقال، إلا أن المقال كان عن موضوع محدد بذاته وسلبية عارمة جارفة، وهى ما يعانيه المرضى فى هذه المستشفيات من جشع وفساد، وما يقاسيه الناس من أطباء المقاولات، وأن حجم هذه الكارثة يفزع الناظرين، فلا يرى وسط هذه النيران العاتية مَن يحاول إخمادها من هؤلاء، ولا يسمع نغماً حالماً هادئاً إذا دقت طبول الفوضى عالية صاخبة. يقول صديقى: هناك خطر قادم وفادح، هل تعلم أن صغار الأطباء المكافحين برواتب محدودة، أقدموا على تقديم استقالاتهم وتتلقفهم دول أوروبية «إنجلترا وألمانيا» بمرتبات وحوافز ومزايا مجزية، ثم نولول ونقول إن لدينا عجزاً فى صغار الأطباء! سؤال إلى وزارة الصحة هل من مجيب؟
عن الوطن:
إياكم من خديعة تيار الإسلام السياسى، ووقوفه خلف دعاوى غياب الحرية والديمقراطية، فهم يكفّرون الديمقراطية ويعتبرونها كفراً بواحاً، ولاتخدعكم أقوالهم وأقوال غيرهم، فهى حق يراد به باطل، فى غفلة ستكون جحافل الغزو شرسة وعنيفة، جنودها وغزاتها بين صفوفنا ووسط شوارعنا، يتأهبون لساعة الحسم، ويعدون خيولهم وسيوفهم، فإما الجزية أو القتل، انتبهوا.. ما جاء على لسان أكاديمى إسرائيلى: «الهدف زعزعة الاستقرار، وهذه الزعزعة ينفذها مواطنون من الدولة العدو، لخلق الدولة الفاشلة».
لا فرق عندى بين الأداة ومن يستخدمها، أو الفاعل والمحرض على الفعل، أو من يعلم المؤامرة ومن لا يعلمها، كلهم ضد الوطن. وأذكّر أبناءنا، عند الشدائد لا ظل سوى ظل الوطن، ولا خيمة تؤوينا سوى خيمته، وأهمس فى أذن أولى الأمر: «هنا ما يستحق الرتق والإصلاح، وهو أمر واجب، والإسراع به اليوم وليس غداً، وملفاته معلومة وظاهرة للجميع».
عن الأسر المعاقة:
ليس المعاق هو صاحب الإعاقة فقط، لكن الإعاقة تصيب الأسرة كلها، وليس الألم هو ما يعانيه صاحبنا، بل هو قاسم مشترك بين الجميع، وربما يزيد عند الأسرة والأهل، وفى بلادى تدفع «الأسر المعاقة» ثمناً باهظاً من راحتها وأعصابها ودخلها، فى تعليمه وتأهيله ورعايته وتوظيفه، وأعرف أسراً كثيرة وقفت حياتها، وتمكن منها اليأس والإحباط وأصابهم فى مقتل بسبب هذه الإعاقة، فأهمل رب الأسرة عمله لانشغاله بمرافقة الابن أينما رحل وذهب، ونزفت الأم معاناة وهماً وكمداً فى تربيته وتلبية طلباته، وتوزع العمل على أفراد الأسرة من الإخوة والأخوات، فحملوا جزءاً من المسئولية ليس باليسير، ولا يخفى على أحد زيادة نفقات ومصاريف المعاق وتأثيره السلبى على الأسرة وتربية أبنائها، أما الحديث عن المعاناة النفسية التى يعانيها أفراد الأسرة، فكان الله فى عونهم جميعاً. لقد آن الأوان أن يرفع المجتمع كله عبء المعاناة، وهذا الوجع وهذه المشقة عن هذه الأسر، وهى مسئولية مجتمعية، فليس من العدل أن تعانى هذه الأسر وحدها دون سند أو معين، أو تكابد بمفردها محنة الاختبار وقسوته، أو يئن كاهلها بأعباء هذه الإعاقة دون شريك، وهو أمر لو تعلمون عظيم. وأنا هنا لست بصدد الحديث عن معاناة المعاق، بل يقتصر مقالى فقط على معاناة الأسر فى تربية الأبناء ورفع المعاناة اليومية عنهم، وأقصد تحديداً ما تواجهه هذه الأسر وهو أحد مكوناتها طبعاً، وهو أمر يختلف إلى حد ما، كيف نصنع واحة من الراحة لهؤلاء الأهل من مشقة الطريق، ونرفع عن كاهلهم محنة الأيام ووجع السنين، ونساعدهم ونقدم لهم يد العون المادى والمعنوى، فى صورة إعانة مادية، برامج تدريبية، مساعدات طبية منزلية، تجهيزات وأدوات منزلية تجعل الحركة سهلة للجميع، أو تعديلات فى مداخل العمارات، وهكذا، وهو عون محمود، وسند مجتمعى مطلوب، حتى تشعر هذه الأسر بالدفء والراحة، فليست هذه المحنة اختياراً بل قدرٌ، يصيب به من عباده من يشاء، وليس ببعيد عنا وعن أولادنا، بل قريب وتحسبه بعيداً، فإذا كنا فى عون هؤلاء الأهل كان الله فى عوننا جميعاً.
نقلا عن الوطن