كتبت - أماني موسى
تحدث حامد عبد الصمد عن تجربته مع محاولة الانتحار والعلاج النفسي وكيف خرج من سجن الاكتئاب، قائلاً: أن الاكتئاب مرض له شق علمي واضح، بأنه حدوث خلل في كيميا الدماغ، وتراجع إفراز الكميات المطلوبة من هرمونات السعادة أو الإحساس بالقيمة أو الأمان أو الإنجاز، فيقل ضخها في الدماغ فيشعر الإنسان بحالة من التعب والإرهاق وفقدان الثقة بالنفس، مع حدوث اضطرابات في النوم سواء النوم بكثرة أو الأرق وقلة النوم.
وأضاف، كما يشعر بعدم القدرة على اتخاذ القرار، ويميل للانسحاب والانطوائية، كما يشعر ببعض الأفكار الانتحارية، فيما هناك مرضى اكتئاب يعانون من تقلب المزاج فتارة تجده في قمة النشاط والإثارة وتارة أخرى لا يحرك ساكنًا، فيما يعرف باسم الاكتئاب ثنائي القطب.
لكن لا يوجد تفسير علمي ما هو السبب العلمي الذي يقود للاكتئاب، ويؤدي لنقص إفراز هرمونات السعادة والحب، ويشعر المصاب في البداية بحالة من الحزن المؤقت، ثم حزن دائم، ثم حالة من الرفض يواكبها حالة من العجز، فيرفض واقعه دون امتلاك القدرة على تغييره، وتتكون صورة مشوهة عن الذات لدى مريض الاكتئاب، فيشعر أنه لا يستحق النجاح أو الحب أو الأفضل، ومن ثم تتشوه صورته عن الحياة.
وتابع راويًا تجربته مع الاكتئاب، هذا ما حدث لي عندما سافرت إلى ألمانيا، وفي ليلة شديدة البرودة ذهبت عند البحيرة وكانت متجمدة من البرودة، وشعرت كأن هذه البحيرة هي حياتي، متجمدة متوقفة عن الحياة.
ولفت انتباهي عبارة مكتوبة أعلى البحيرة "طبقة الثلج رقيقة.. الدخول إلى البحيرة على مسؤوليتك الشخصية"، فخطرت لي فكرة إيجابية للمرة الأولى، فبعد أن توقفت لفترة عن ممارسة حياتي والذهاب للرياضة أو الدراسة أو الأنشطة المختلفة، شعرت أن البحيرة تتحداني للدخول، وقلت لها "سأريكي مسؤوليتي الشخصية"، وفي ذلك الوقت كان معي امرأة مرتبط بها، أخذت تصرخ وتترجاني أن أعود، وبالطبع لم تتبعني خوفًا على حياتها، ولكني لم أشعر بذرة خوف وكنت أريد أي حركة بحياتي، وكأني أريد الخروج من الحياة المملة الراكدة.
مضيفًا، كنت أشعر أن الحياة سواءًا بالموت، والظلام كما النور، لا فرق بين أي شيء، الخروج كما الجلوس في السرير، فالداخل ممتلئ بالإحباط والسواد، واستطرد: وصلت إلى منتصف البحيرة ولم أسقط بها، ولم أصب بشيء، فقلت لنفسي: فشلت في الحياة وفشلت حتى في الموت، وبعد عودته للشاطئ، قالت له المرأة التي كانت معه: "أنت عندك مشكلة نفسية كبيرة ولازم تشوف دكتور"، وكيف كان رافض لهذه الفكرة لخلفيته الثقافية التي لا تعترف بالضعف أو الطب النفسي وتعتبره جنون، لكنها كانت من خلفية ثقافية تدرك معها أهمية العلاج النفسي.
وشدد بقوله، أن غالبية المجتمعات العربية تعتبر العلاج النفسي درب من الجنون ووصمة عار، ولذا تجد كثيرين مصابين بالاكتئاب ولا يدركون ولا يملكون رفاهية الوعي والذهاب للطبيب النفسي، والبعض يخشى الذهاب للطبيب النفسي لئلا يوصم بأنه مجنون، واستطرد: كنت أشعر بهذه المشاعر لكنني اضطررت للذهاب إلى الطبيب من باب التجربة.
وذهب في البداية لطبيب مشهور في مدينة ميونيخ، يستخدم العلاج بالتنويم المغناطيسي، حيث يتمكن المريض من سرد كل ما تعرض له دون مواربة ودون خوف، حيث تقوم بسرد كل القصص المؤلمة التي خزنتها في عقلك اللا واعي.
وتابع، قام الطبيب بالتركيز على فترة طفولتي ووصل لأماكن دامية -ولم أكن واعي لما قلته-، ومن شدة الألم حدث له عصبية مفرطة وقام بمغادرة الجلسة، دون أن يدرك أو يعي ما حدث، وشدد ألم الإنسان شيء مقدس ينبغي أن نعرفه لكن دون أن نضغط على هذا الجرح.
مستطردًا، لا تضغط على مريض الاكتئاب لكي يحكي لك معاناته وما يؤلمه، أنا بحكي الكلام دة بعد ما تعافيت وخرجت من السجن، سجن الأفكار وسجن الخوف وسجن الرفض وسجن العجز، ونضفت روحي من دواية الحبر اللي سقطت جوايا.
وشدد مريض الاكتئاب مش عايز نصايح ولوم، عايز حب وحب وحب، وأمان وقبول غير مشروط، حتى يشفى ويتعافى، فهو شخص محبوس في سجن اكتئاب لم يتخلص منه بعد.