لماذا تنتشر الإشاعات فى مجتمعاتنا بسرعة الضوء؟، لماذا تحترق حقول الحقيقة بكرة بنزين معلقة فى ذيل قط يركض بلا هدى ولا هوادة؟، لماذا وعينا بتلك الهشاشة؟، كيف ينهار جهاز مناعتنا الذى يفلتر الأخبار بتلك السرعة؟، إنه غياب العقل النقدى المتشكك، لم نتعلم فى المدرسة السؤال، لم يسمح لنا المدرس بالمناقشة والتفنيد، لم يترك لنا المنهج الدراسى ثغرة ننفذ منها لنكذّب وندحض، نحن فى المدرسة أجهزة استقبال لا إرسال، لنا ألسنة لكنها خرساء، لنا عيون لكنها أدوات بصر لا نوافذ رؤية، من لديه عقل نقدى مشكك، ومن تشكل لديه وعى ناقد لا يرضى بمجرد الاستهلاك السلبى، عندما يعرض أمامه خبر أو بوست أو تويتة، يقوم بالتفنيد والبحث والاستقصاء، تمر المعلومة عبر طبقات وعيه الجيولوجية، عبر فلاتر متتالية، تصفى الخبر أو المعلومة من شوائب الكذب والمبالغة والتضخيم والمراوغة والتزييف والتدليس، هذه هى العقلية العلمية التى نفتقدها، ولا أقصد بالعقلية العلمية الشهادة الجامعية، فمن المدهش أن تجد فى مصر حاصلين على دكتوراهات وأساتذة جامعات، مخدوعين فى فوتوشوب، أو مصدقين لخرافة أو معلومة وهمية أو كذبة مزوقة!،
هو حاصل على الشهادة بالحفظ والتلقين وليس بالإبداع والنقد والابتكار، عدم التربية على فضيلة السؤال خلقت لديه عقلاً هو مجرد سلة لجمع نفايات الأخبار المزيفة والمعلومات الكاذبة، تخويف الطفل من علامات الاستفهام وخفض سقف فضوله إلى ما تحت عنقه، يخنقه ويمنع عنه أوكسجين الحرية ويقتل الخيال، فيكبر معه الخوف ويتحول إلى تنين يطلق عليه ألسنة النار عند محاولة أى سؤال، عندما سألت مدرس التاريخ فى المرحلة الابتدائية عن الأسلحة الفاسدة معترضاً على كلامه عن أن المدفع يضرب القنبلة إلى الخلف لا الأمام، وكانت وجهة نظرى أنها صعبة بل مستحيلة، عاقبنى المدرس ومنحنى الصفر العظيم وطردنى من الفصل لأننى تساءلت وقال لى «منذ متى كان للفلحوس وجهة نظر؟»، ومنذ ذلك اليوم لم أكف عن السؤال ولن أكف، حتى ولو اتهمت بالإزعاج والشغب الفكرى، فقد فطنت منذ ذلك اليوم إلى أن قمع السؤال وقتل الفضول الفكرى والشغف المعرفى، هى أول أسلحة اغتيال الفرد والشعب، انتشار وسائل التواصل الاجتماعى وإدمانها لدى من لا يمتلكون هذا الوعى النقدى شبيه بانتشار فيروس الإنفلونزا وسط مرضى الإيدز الذين بلا مناعة!، وسائل التواصل من أعظم الإبداعات البشرية وقد أحدثت ثورة على مستوى الوعى، لكن الشرط الأساسى أن يكون هناك وعى أصلاً، ومن لا يمتلك الحس النقدى المتشكك هو مغيب فاقد للوعى، لنبدأ حملة تربوية إعلامية علمية لتربية هذا العقل النقدى المتشكك المتسائل الفضولى الذى تقل عنده الخطوط الحمراء وتزيد الإشارات الخضراء وتتسع مساحة ورحابة الحرية.
نقلا عن الوطن