أحمد رفعت
من الآخر.. هل نريد إدارة حرب حقيقية على الإرهاب تقتلعه من جذوره وتمنع الحياة عنه والماء عن جذوره وتضمن السلام للأجيال المقبلة التى ستصنع مستقبل هذه البلاد أم لا نريد؟! إن كنا نريدها حرباً دائمة ومستمرة لا آخر لها مع الإرهاب كلفتها غالية وأغلى ما فيها أرواح أبطالنا من أبناء الجيش والشرطة فأبلغونا وقولوا لنا إن الإناء الذى يغرف منه الإرهابيون سنتركه كما هو ليخرج لنا كل يوم إرهابيون جدد.. وإلى ما لا نهاية.. وإن كنتم تريدون ردم مستنقع الإرهاب لنحارب فقط من تأثروا به مع ضمان سلامة المستقبل فأهلاً بكم وسهلاً وندخل إلى قلب الموضوع..
قصة تجديد الخطاب الدينى قديمة جديدة لم يكن الرئيس السيسى أول من يطالب بها.. إنما الرجل لأنه يواجه أخطر مرض تعانى منه مجتمعاتنا لذا كان الأمر عنده أكبر من المطالب.. وتحول إلى المسئولية.. التى تحتم عليه حماية الحاضر وضمان المستقبل، وهذا لن يتحقق ومصدر تخريج دفعات جديدة من الإرهابيين قائم ومستمر!
الإسلام نفسه هذا الدين العظيم أول من اهتم بفكرة التجديد، التى هى باختصار إعمال العقل فى النص الدينى.. وحتى نفوت الفرصة على المتربصين وسيئى النيات نقول إن إعمال العقل يعنى قراءة النصوص قراءة حقيقية وجديدة تلتزم ضوابط الفهم الشرعى، لكنها أيضاً تراعى متطلبات العصر وما جرى به من تطور، وتؤمن أن الإسلام مع هذا المنهج الذى يتجدد معه فهم النص.. فهم النص وليس النص.. لمراعاة أحوال العباد والبلاد!
فالقرآن الكريم من دعانا لاستخدام العقل والتأمل والنظر والفهم «أفلا يعقلون»، «أفلا ينظرون»، «أفلا يتدبرون»، ويمدح فى آيات أخرى أولى الألباب، أى أصحاب العقول ممن يتفكرون فى كل شىء، ولم يمدح مثلاً أصحاب الذاكرة القوية ممن يحفظون كل شىء دون أى فهم لروح النصوص وحكمتها!
وفى السنة النبوية الشريفة يمنح رسول الله عليه الصلاة والسلام، من يجتهد فى أى مسألة ويبذل الجهد بعقله أجرين ويمنح أيضاً من يخطئ أجراً واحداً لمجرد أنه أدرك فلسفة وجوده كخليفة لله على الأرض، عليه أن يفكر ويبدع من أجل مصالحه وسعادته!
كثيرة هى أدلة الدعوة للاجتهاد وإعمال العقل والتجديد الدائم من التوجيه النبوى لمعاذ بن جبل قبل سفره عاملاً على اليمن إلى التبشير ببعث مجدد لدين الأمة على رأس كل مائة عام، إلى اجتهادات عمر بن الخطاب أمير المؤمنين التى طالت زواج المتعة وصلاة التراويح وأنصبة الزكاة التى منعها عن المؤلفة قلوبهم، بعد أن فهم روح الآية القرآنية التى نزلت فى ظرف معين كان فيها المسلمون مستضعفين، ولما تغير الحال كان لا بد من تغير حكم الآية، ولا يتغير أى حكم إلا بالاجتهاد!
ولم يكن أمير المؤمنين ولا غيره ليجرؤ على إعمال العقل فى نص إلهى إلا إذا كان يدرك أن هذا يتفق مع الإسلام، إن لم يكن هو الإسلام بعينه، ولذلك كانت تنتهى المناقشات مع كبار الصحابة لصالحه.. من تقسيم أراضى الحروب فى العراق إلى مقام إبراهيم وغيرها وغيرها من الاجتهادات العظيمة والتاريخية لعمر بن الخطاب الخليفة المجدد!
والأمة بفطرتها مع التجديد فأطلقت على إمام التجديد أبى حنيفة النعمان وصف الإمام الأعظم، ووصفت مجدد العصر الحديث الإمام محمد عبده بـ«الأستاذ الإمام» ولا يجمع أبى حنيفة مع محمد عبده إلا إعمال العقل والاجتهاد لاستنباط الأحكام وليس اتخاذها بالنقل، كما فهمها من سبقوهما، وشعارهما «هم رجال ونحن رجال»!
وفى عصرنا قدم كثير من المجتهدين رؤى جديدة، منها ما اصطدم مع المجتمع بفعل غلبة المتشددين بكافة أشكالهم، سلفيين وتكفيريين وغيرهما، أو بسوء عرض أصحاب الاجتهادات لاجتهاداتهم، وهناك آخرون تعرضوا لحملات عاتية من الفريق الأول المتشدد المتسلف، رغم الفارق الكبير بين علمه وعلمهم ونيته ونياتهم، مثلما تعرض الشيخ الغزالى لحملة شرسة بسبب كتابه الأشهر «السنة النبوية بين أهل الفقة وأهل الحديث»! بلغت حد التطاول وقلة الأدب مع الرجل!
وفى خارج مصر تثير اجتهادات المفكرين الكبار السورى محمد شحرور، والسورى عدنان الرفاعى، والماليزى قاسم أحمد، والأمريكية آمنة ودود، والجزائرى محمد أركون، الدنيا كلها جدلاً وتفكيراً.. بينما هنا لا حس ولا خبر!!! وهذه مسألة طال الصبر عليها، ولا يمكن الانتظار أكثر من ذلك.. ولذلك وجب الآن الدخول مباشرة إلى الإجراءات العملية وليس الكلام.. نحن نتكلم لأننا نطالب.. لكن على التنفيذيين السير فى الإجراءات مباشرة، وحتى نكون قد قدمنا المشكلة مع الحل أو اقتراحات للحل، فنقول عما يمكن فعله، ومنه إنجاز «صحيح الأزهر» الذى يجمع الحديث الشريف الصحيح والروايات المؤكدة، وهو مجهود علمى يمكن أن تقوم به لجنة من الثقاة يختارها فضيلة الإمام الأكبر، وتؤقت بزمن محدد تقدم بعدها عملها لتراجعه لجنة أصغر أو يراجعه فضيلة الإمام بنفسه، ويعتمد وينشر ويوزع على مكتبات الأوقاف والمساجد وغيرها!
كذلك آن الأوان لمراجعة شكل وطريقة خطبة الجمعة ودروس المساجد المعتمدة أساساً على فكرتى الترغيب والترهيب دون إبراز قيم الإسلام الحقيقية من الرحمة والتسامح والتعايش مع غير المسلم وصناعة مجتمع واحد ونبذ الكراهية والتحريض والعنف! آن الأوان لإبعاد المتطرفين نهائياً ليس عن المساجد فقط وإنما عن كل عمل يتصل بالجماهير فى التربية والتعليم والأوقاف وغيرها.. آن الأوان لبرامج دينية مختلفة غير نمطية نشاهد فيها رجل الدين المثقف المتحدث بأكثر من لغة وليس مستنيراً فى سطر ومتطرفاً فى سطر يهاجم الإرهاب فى سطر، ويدعو لعقاب تارك الصلاة وقتال «القرية» الممتنعة عن الختان فى سطر آخر!!
أمامنا مجهود كبير.. لكن ابدأوا من فضلكم!
نقلا عن الوطن