محمود العلايلي
تطورت الحروب على مر الزمن، بداية من استخدام الإنسان قوته البدنية والأسلحة البدائية، وهى ما أطلق عليها حروب الجيل الأول، مرورا باستخدام قوة النيران والأسلحة الأكثر تطورا، وهى حروب الجيل الثانى، ثم جاء عصر الحروب الخداعية والحروب بالوكالة، التى سُميت الجيل الثالث من الحروب، أما ما تقوم به المنظمات الإرهابية والحركات العنيفة للتأثير على الاستقرار الداخلى للدول عن طريق العمليات السرية والهجمات الإرهابية فتم التوافق على تسميتها حروب «الجيل الرابع».
وسواء جاءت هذه التسمية من جهة أجهزة الأمن من الدول التى تعرضت لمثل هذه الهجمات كتوصيف لخطورة العدو المجابه لها وإعطائه الأهمية اللازمة للاصطفاف والتجييش ضده، أو خرج هذا الاسم من أجهزة الأمن الأمريكية بالذات لتبرير فشلها فى وقف اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر وما تلاها على المستوى الدولى، فإن هذا لا ينفى بالتأكيد وجود هذا النوع من الحروب ووجوب التصدى له، والاستنفار المحلى والدولى تجاهه، حيث أصبح هذا النوع من الحروب بديلا عن الحروب النظامية، التى لا تملك الأطراف المعنية بها مواجهة القوة العسكرية المنظمة، أو أجهزة الأمن الرسمية.
وحتى إذا رجعنا إلى ما يطلق عليه حروب العصابات، التى كانت حربا غير تقليدية، تتكون من مجموعات قتالية صغيرة مدعمة بأسلحة أقل وأخف نسبيا من أسلحة الجيوش النظامية، ولهذا كانوا يعتمدون أسلوب المباغتة واختيار الظروف غير المواتية للجيوش، تفاديا للمواجهات المباشرة التى لن تكون فى صالحهم..
.. ولذا اعتمدوا على هذه النوعية من المعارك الصغيرة سواء لأهداف استراتيجية أو لتقرير مواقف سياسية، فقد تخطتها ما يطلق عليها حروب الجيل الرابع باستخدام وسائل العصر الحديثة، فلم تعد الحرب تعتمد على إحداث خسائر بشرية أو مادية فقط، بل تجاوز ذلك بالهجمات السيبرانية للتأثير على ذهنية المواطنين، سواء بالنيل من عزيمتهم، أو بالتشكيك فى أوضاعهم السياسية والاقتصادية والعسكرية، وذلك عن طريق نشر الأخبار المغلوطة أو التعليقات الموجهة للتحكم فى ميولهم وتوجهاتهم، باستراتيجية مخططة بإحكام، حتى تتكامل مع العامل العسكرى المتمثل فى العمليات الإرهابية، والتثبيط الاقتصادى إن أمكن عن طريق الشائعات التى تؤثر على أسواق المال والمؤسسات النقدية.
وواقع الأمر أن البعض يأخذنا إلى جدل وجود هذا النوع من الحروب من عدمه، أو محاولة فلسفة أصل التسمية وفرضها على الواقع السياسى كمصطلح سياسى جديد، بينما مجموعة أخرى تفترض إطلاق هذا الوصف من الجهات المضارة لتبرير الفشل القادم فى المواجهة كتأمين سياسى استباقى، ولكن الحقيقة أن «إنكار الواقع لا يمحوه»، وسواء كان هذا الاسم للشرح أو للتبرير فهو قائم، وبدلا من الخوض فى متاهات المعانى، فالدفاع عن قيمة الدولة القومية مسألة مبدئية فى تلك المرحلة، حيث تتجاوز الفكرة مسألة الموالاة أو المعارضة، ولا تقف المسألة عند الرضا عن الحاكم من عدمه، لأن هذا النوع من الحروب الإرهابية المقترنة بالترويع النفسى والإيذاء البدنى ضد قيم النظام والاستقرار الذى يمكن أن يقوم عليه أى مجتمع، أو تنضبط خلاله أى دولة.
ولا تأتى خطورة هذا النوع من السرية فقط، ولكن من المباغتة على جانب، وعلى الجانب الآخر لعدم الاستعداد اللازم على الجبهات المختلفة التى تُدار عليها المعارك، وذلك لأن الطرف المهاجم يعتمد على خفته وقدرته المستمرة على التطور والتغيير، وهو ما لا تستطيع أن تلاحقه الأجهزة النظامية بنفس الإيقاع السريع، بحكم حجمها وآلية اتخاذ القرار فيها، مما يجعل عملها قائما فى أغلب الأحيان على رد الفعل، أما الاستباق ومحاولة إجهاض العمليات الإرهابية والهجمات السيبرانية فهذا ما تعمل عليه أغلب دول العالم من خلال التعاون الأمنى والتبادل المعلوماتى.
وللحديث بقية..
نقلا عن المصرى اليوم