مراد وهبة
الرأى عندى أنه كما كانت العلمانية في زنقة في مصر في زمن الناصرية كانت العلمانية كذلك في تركيا. وأدلل على صحة هذا الرأى على النحو الآتى: عندى هاجس منذ زمن يدور على أن ثمة علاقة مجهضة بين تركيا ومصر. وسبب هذا الإجهاض مردود إلى علمانية حائرة.
والسؤال إذن: ماذا تعنى العلمانية الحائرة في كل من تركيا ومصر؟
ونجيب بسؤال: متى نشأت العلمانية عند كل منهما؟
نشأت العلمانية في تركيا عسكرياً إثر هزيمة العثمانيين أمام روسيا في عام 1681 وأمام فيينا في عام 1683، إذ أدرك العثمانيون أنهم متخلفون في مواجهة أوروبا، ومن ثم تساءلوا: لماذا تخلفنا؟ وجاء الجواب هامساً: بسبب غياب العلمانية، ثم تحول الهمس إلى إرهاص في عهد السلطان سليم الثالث (1789- 1807) فبدأ بتحديث الجيش واستكمله من بعده السلطان محمود الثانى (1807- 1839). أما السلطان عبدالمجيد (1861-1839) فقد أوفد البعثات إلى أوروبا وأصدر ما يشبه إعلان حقوق الإنسان في 3/11/ 1839 لأنه ساوى بين المواطنين بدون تمييز عقائدى. قال: «إن قصدنا هو ألا يكون المسلمون مسلمين إلا في مساجدهم. ومن هذه الزاوية ذاتها لا يكون المسيحيون مسيحيين إلا في كنائسهم. أريد احترام العقائد خارج دور العبادة، وبذلك يحظى الجميع بنفس الحقوق السياسية تحت رعايتى الأبوية». وتأسيساً على ذلك أدخل روح التنوير في نسق التعليم.
ومن عام 1839 إلى عام 1876 نشأت فترة «التنظيمات» التي خلخلت الهوية الأصولية الإسلامية بسبب بزوغ أدباء مستنيرين: ضياء باشا، إبراهيم شناسى رائد الشعر الجديد، نامق كمال الذي أحدث توليفة بين الشريعة والقانون الطبيعى والسلطة الشعبية. ومع ذلك فإن هؤلاء لم يكونوا على استنارة جذرية، إذ لم يكن ثمة نقد جذرى للوضع القائم عند شانسى. وعلى الرغم من أن نامق كمال قد تأثر بآراء مونتسكيو إلا أنه اكتفى ببيان العلاقة غير المتناقضة بين آراء مونتسكيو والشريعة مع أن مونتسكيو كان رافضاً صبغ الوقائع السياسية بالمبادئ الدينية. وقد كان من شأن هذا الرفض إمكان تأسيس علم السياسة استناداً إلى أن القوانين هي العلاقة الضرورية الناشئة من طبيعة الأشياء.
أما ضياء باشا فلم ينقد الولاء الدينى في جميع مجالات الحياة المدنية. أما الذي اقترب من هذه القضايا فهو كمال أتاتورك ولهذا قيل عنه إنه مؤسس تركيا الحديثة، إذ في البداية فصل السلطنة عن الخلافة وحصر الخلافة في مغزاها الروحى في عام 1922، ثم ألغاها وألغى معها المحاكم الشرعية في 3 مارس 1924. وفى افتتاحه كلية الحقوق في أنقرة انتقد النظام القديم باعتباره عائقاً أمام التطور وذلك لأن شرط وجود الأمة أن تكون إدارتها وقوانينها مستوحاة فقط من الضرورات الزمانية ومن ذهنية إدارية علمانية.
والجدير بالتنويه هنا أن لفظ «خليفة» لم يتداول إلا بعد ضم مصر إلى الدولة العثمانية، ومن ثم يكون من الطبيعى حدوث رد فعل في مصر بعد إلغاء الخلافة.
والسؤال إذن: ماذا كان رد الفعل؟ هل كان إيجابياً أم سلبياً؟ ومن الذي كان مسؤولاً عن هذا الرد؟
نقلا عن المصرى اليوم