عادل نعمان
لا بارك الله فى «الوضاعين» الذين وضعوا أحاديث عن رسول الله يكذبون عليه أو يكذبون له، ولا بارك الله فيمن دفع لهم واشترى من الحكام والخلفاء ليثبت بها أركان حكمه وصولجانه، ولا بارك الله فيمن أيد وساعد ونسخ وشرح وفسر وأول ونقل وروى فكان هو الفاسد الأعظم، ولا بارك الله فيمن وقف على باب الخلفاء من المشايخ أو المحدثين يبيع حديثا عن فضل الخليفة ونسبه وحسبه ونسله وقبيلته وعلمه وأفضليته على العالمين، ولا فتح الله على هؤلاء الذين يعيشون بيننا على أمل إحياء الخلافة الراشدة القرشية، وهى أول كذبة وأول حديث وضعه الوضاعون فى أمر الخلافة.
والوضاعون فى تاريخنا الإسلامى هم المزيفون والمدلسون والكذابون ، وكلهم فى واحد، وإن لبسوا فى كل عصر لباسه وألوانه وكانوا من اليوم الأول للدعوة، سلاح معلوم ومرصود لا فكاك منه، مربوطون بالثورات والإصلاحات وظهور الديانات ولا عاصم منها، قدر محتوم ، وقد كان الرسول يعرف البعض ولا يعرف غيرهم، إلا أن مشايخنا لا يعترفون بهذا ويرفضونه، ويقولون: إن الكذب لم يكن فى عهده، وردوا حديث النبى «من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» إنه على عمومه وإطلاقه، وبلاغ للناس يعلم به الحاضر الغائب، وليس لكذبة بذاتها أو تدليس بذاته أو موقف من أحد من صحابته، حتى يصبغوا الفترة الأولى وصحابتها بالقداسة والعفة والنزاهة والطهارة والبراءة، وهو أمر غير صحيح، فليست هذه الفترة بعيدة عن مجريات التاريخ بسلبياتها وإيجابياتها، وليس مجتمع الصحابة غير البشر أو خارج نطاق الزمن، وليسوا متماثلين أو متوحدين أو متطابقين فى الصفات والمزايا أو فى المثالب والعيوب أو منزهون عن الخطايا والنوازع والذنوب، ففى العهد الأول للإسلام كان ككل العهود من سلبيات ومعايب وعورات، ففيه السرقة والزنا والقتل والنفاق والتعدى على حرمات الغير، وكان التجاوز قد وصل للمسجد والآية «ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين» دليل على ذلك، وكان لها سبب لنزولها، فلم يكن عهدا مثاليا أو ملائكيا أو ربوبيا لأن الرسول بينهم، وقد جاء فى القرآن عن المنافقين آيات كثيرة، ولو كانت للبلاغ ما نزلت فى أكثر من سورة، وما كان كل هذا التحذير ومنها الآية «ومنهم الذين يؤذون النبى ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله» وأذن أى يسمع من الناس على الناس، والآية «يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم» وهى من آيات المنافقين، والآية «وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم» وكذلك الآية «ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام» فهل هذه الآيات كلها للبلاغ فقط؟ ربما يكون الهدف صبغ الفترة المحمدية بصبغة خاصة عما قبلها وما بعدها، وإظهار نقاوتها وصفائها وأمانتها ونقائها، وكأن الجزيرة كانت باللون الأسود واللحية السوداء وابتسامة متجهمة نكراء فى الجاهلية، وأصبحت برداء أبيض ولحية بيضاء وابتسامة صافية رائقة بعد البعثة مباشرة، فترة الشياطين وفترة الملائكة، والأمر ليس كذلك. وأتصور أن المسافة بين المنافقين والوضاعين واحدة، فالمنافقون كذبوا عليه والوضاعون كذبوا له ونقلوا عنهم، وهما واحد. والمؤيدون للرأى الآخر قالوا إن بداية وضع الأحاديث كانت أوان الفتنة الصغرى، ومقتل الخليفة عثمان بن عفان، وشيوعها وانتشارها مع الفتنة الكبرى والصراع على الحكم بين على ومعاوية، والحروب التى سالت فيها الدماء، وأزهقت فيها الأرواح، وانقسام المسلمون إلى فرق ومذاهب شتى، الشيعة والسنة والخوارج والمرجئة، والكل قد اتخذ من القرآن منهجا وموقفا فأولوه على غير حقيقته، وتبارى الوضاعون فى رفع مقام المتحاربين من الأطراف وأفضالهم وأفضليتهم على العالمين، ومنها حديث «أهل الشام سوط الله فى أرضه» وحديث «الشام كنانتى فمن أرادها بسوء رميته بسهم منه» وكان لهؤلاء الوضاعين الفضل فى إقامة وتمكين الخلافة الأموية، وإضفاء صفة الشرعية عليها، وما كان لهذا الحكم من سبيل سوى شراء الذمم والتاريخ والأحاديث، وجاء العصر العباسى على نهج أسلافهم الأمويين، وظهرت جماعة تسمى «الوضاع الصالحون» فيما يقولون: ما استعصت مسألة إلا وأخرجنا لها حديثا، قيل لهم، أتكذبون على رسول الله؟ قالوا: بل نكذب لرسول الله، ومن عينة هذه الأحاديث، عن أبى هريرة أن رسول الله قال للعباس «فيكم النبوة والمملكة» وعن الترمزى عن ابن عباس أن الرسول دعا للعباس: «اللهم اجعل الخلافة باقية فى عقبه» وتبارى الوضاعون بوضع الأحاديث عن العباسيين لجنى المال وعرفوا فأسرفوا ووقفوا على الأبواب صباحا ومساء «أحاديث للبيع افتحوا الأبواب» أما عن أحاديث فضل قراءة آيات أو سور من القرآن، فحديثها يطول وكانت أكبر كذبة لهؤلاء فى العصر العباسى.
نقلا عن المصرى اليوم