حمدي رزق
وهاتوا الدفاتر تتقرا، يا نحكمكم يا نقتلكم، وسحل وضرب على باب الاتحادية، وانكشارية إخوانية تجُول فى الشوارع مُهدِّدة بالويل والثبور، وجمعة قندهار فى الميدان الكبير، ومفتى الناتو يركب المنصة ويعلن فتح مصر، ومرسى العياط وجماعته فى القصر، والناس فى خوف عظيم.
ويوم شح القوت، وامتدت الطوابير، وخشى كلٌّ على ولده وزوجه، واحتلت الميليشيات النواصى، وحوصرت المحكمة الدستورية، ومدينة الإنتاج الإعلامى، كان حازم أبوإسماعيل ينام فى شمس الصباح مادًّا قدميه فى وجه الوطن، معلنًا الإمارة، والعجائز فى قعور البيوت يخلعن رؤوسهن باكيات متطلعات إلى السماء أن يكشف الله الغمة. وحين صار الخطف والسرقة والقتل على الهوية، الشيعة يذبحون على الهواء مباشرة، والسُّنة متهمون فى دينهم، والمسيحيون فى كرب عظيم، تُحرق كنائسهم، وتُخرب أديرتهم، وتُحاصر الكاتدرائية فى العباسية بفلول السلفيين، يُكوِّرون قبضاتهم فى وجوه الأصلاء الوطنيين.
كان العاديون دون ذنب جنوه يطارَدون فى الطرقات، ويُسحلون فى الشوارع على وقع صيحات وتهليل وتكبير، وميليشيات الإخوان تقطع الطرق، وتسلب الممتلكات، وتختطف التاكسيات على المحور لتُهرَّب وتُباع فى غزة عند سماسرة حماس.
ويوم اقتحمت حماس الحدود، وأطلقت السجناء والإرهابيين والمجرمين ليشكلوا ميليشيات تقتل فينا أعز ما فينا، وتخطف الجنود فى قلب سيناء، وتنحر الشهداء فى الصحراء، ويخرج علينا مَن ابتُلينا بحكمه يدعو للحفاظ على حياة الخاطفين من أهله وعشيرته.
يوم كان الخراب مُحْدِقًا، وهم يبيعون إقليم قناة السويس بضاعة رخيصة، بثمن بخس ليشربوا بثمنها لبنًا، ويشهد عليهم مفكرهم الأثير طارق البشرى، فى مقال منشور فى «الشروق»، رفضًا لاقتطاع كبد الوطن، وبيعه فى سوق النخاسة الدولية، ويتلقى المرحوم نقوط الخلافة من الدوحة واسطنبول، ديونًا ثقيلة ليرهنوا به إرادة وطن حر.
أيام سوداء، سنوات عجاف، كانت البلاد على شفا جرف هار، والحرب الأهلية تدق الأبواب المغلقة على ما فيها من حزن وخوف ورعب مقيم، وإذ نفر جيش مصر العظيم لنجدة شعبه، وحرّر البلاد من قبضة مرشد الخراب، وأسقط الإخوان من فوق هضبة المقطم، وطهر البلاد من رجسهم، وطارد فلولهم فى أقاصى الأرض.
وما إن انتهى من تحرير البلاد حتى التفت إلى العمران لتعويض سنوات الخراب، وبسواعد أبنائه، أبناء الشعب الصابر، دارت عجلة العمران فى ربوع البلاد، ومُدَّت الطرق آمنة، وأُنيرت البيوت المظلمة، وأُرخيت سدول الأمن والأمان.
وخرجنا من عزلة دولية فُرضت علينا، وارتقينا المنصات الدولية فى عزة وافتخار يغيظ الفجار، دفعنا ثمنًا باهظًا، دمًا غاليًا، شهداء يشهدون علينا، هل نضيع الأمانة، هل نسيتم التضحيات، هل هان عليكم دم الشهداء يروى الأرض المقدسة؟، طوبى للشهداء ولا عزاء لأصحاب الذاكرة السمكية، رائحتهم فاحت من زفارة تحت الجلد، لا يغتسلون من آثامهم أبدًا.. لا يتطهرون.
نقلا عن المصرى اليوم