أمينة خيري
إياك أن تدع هوجة الفيديوهات والشقلباظات التي تدور رحاها على مواقع التواصل الاجتماعي تلهيك عن متابعة ما يجري من تحركات سياسية وتهديدات عسكرية وتنديدات أمنية وتكتيكات استراتيجية وتسوية مصالح وتهييج توازنات من النوع المفتخر حولنا.
الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له منشأتا النفط في المملكة العربية السعودي، وتحديدًا في بقيق وهجرة خريص، من قبل ما يبدو أنها طائرات من دون طيار- قلب العالم المقلوب أصلاً رأسًا على عقب؛ فالنفط والتلاعب به أو فيه أو حوله لا يؤدي إلى شجب وإدانة من قبل جماعات ومؤسسات حقوق الإنسان، أو تدخلات سياسية من قوى عظمى فيمن عليه أن يرحل وإن كان عليه أن يرحل الآن أم غدًا، أو حتى موجات شجب وتنديد كتلك التي تبديها الدول على سبيل الدبلوماسية والتعاضدية البروتوكولية. التلاعب بالنفط "مفيهوش هزار".
وعلى الرغم من قدرة السعودية الفائقة على التعامل السريع مع الموقف، وإعلان "أرامكو" عن تعويض فاقد الإنتاج بمائتي مليون برميل من مخازنها، وغيرها من الردود السياسية السريعة والتحركات التأمينية العديدة، فإن متابعة رد الفعل العالمي جديرة بالاهتمام وتحث على الدراسة لفهم كيف تسير السياسة.
الحوثيون يتحركون بقدرات عسكرية تفوق أضعاف قدرة أي جماعة دينية مسلحة. وإعلانهم بأن الهجوم تم تنفيذه بعشر طائرات مسيرة (وهو ما لم يتم تأكيده أو نفيه بعد من قبل السعودية) يعني أن الجهات والدول التي تقف وراء هذه الجماعة عازمة- على الأقل في الوقت الحالي- على توسيع وتعميق وتقوية حجم الإمدادات لهذه الجماعة الدينية المسلحة.
التسليح الديني، والدين المسلح.. عبارات وحركات وموجات بتنا نعرفها جيداً في منطقتنا الموبوءة بتلك الخلطة الشيطانية المازجة بين القتل والدماء والدمار من جهة وبين الدين والتدين والدفاع عن المعتقد من جهة أخرى. لكن بينما نقاتل بعضنا شاهرين رايات الدين ومحتالين على عقول وقلوب الملايين من صغار السن الذين خرجوا إلى الدنيا ليعتقدوا أن القتال باسم الدين هو سمة من سمات الحياة العادية، فإن آخرين يمضون قدمًا رافعين راية أخرى تقول Business as Usual بمعنى آخر، العمل والمصلحة والمنفعة والهيمنة تمضي قدمًا.
هذا هو الواقع، وهذه هي طبيعة السياسة التي يرفض بعضنا بإصرار العمل بها، فيغرق ويغرقنا في صعبانيات وعواطف جياشة لا محل لها من الإعراب السياسي أو التكتيك الاستراتيجي.
استراتيجيًا، هرع الرئيس الأمريكي ترامب ليلوح بتحرك عسكري رداً على ما جرى في السعودية. وكعادته أعلن عبر تويتر مغردًا: "إمدادات النفط السعودية تعرضت لاعتداء. هناك سبب للاعتقاد بأننا نعرف المجرم، ومتأهبون للرد، لكننا ننتظر أن نسمع من المملكة عمن يعتقدون أنه سبب هذا الهجوم. وتحت أي شروط سنتحرك".
هل هناك درس مستفاد وعبرة تُستَشف؟ في المقابل تأخر رد الفعل الروسي، ليأتي قبل ساعات ومفاده أن "الرياض لم تطلب مساعدة موسكو"، لكن هذا بالطبع لم يمنع من التصريح بأن الهجوم "حدث مقلق" و"يضر استقرار سوق الطاقة"... إلخ!
ولأن إيران عامل مشترك، سواء بين القطبين أمريكا وروسيا، أو من حيث أدوارها المتعددة في المنطقة، فإن اسمها يتردد مع كل خبر وتصريح. وعلى الرغم من أن أمريكا لم تتهم إيران مباشرة، فالمعنى يبقى دائمًا في بطن الشاعر.
بطن الشاعر هنا كانت تنويهات من قبل مسؤولين أمريكيين غير محددي الهوية بأن الهجوم الذي تبناه الحوثيون لم ينطلق من اليمن، لكن من إيران أو العراق.
إيران بالطبع لم تكذب خبرًا، وملأت الأجواء نفيًا لا يخلو من تنديد بأن الغرض من الاتهامات الأمريكية المبطنة هو "حلب الدول" و"أكاذيب قصوى" و"تعبر عن الفشل".
أما العراق، فـ"إللي فيه مكفيه" و"مش ناقص"، ولذلك خرج النفي هادئًا رصينًا محسوبًا بصفته بيانا رسميا صادرا عن مكتب رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، ينفي ما تم تداوله عن استخدام أراضيه لمهاجمة السعودية، مؤكداً التزامه الدستوري بمنع استخدام أراضيه للعدوان على جواره وأشقائه وأصدقائه.
إنها السياسة في أوج صورها.
نقلا عن مصراوى