كتب : مدحت بشاي
Medhatbe9@gmail.com
يؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في العديد من المناسبات الوطنية والثقافية والعسكرية على مفهوم أن مصر في مواجهتها لقوى الإرهاب الظلامية هي تعيش وتواجه " حرب وجود " ، وبالفعل وبالقياس لكل الحروب التي خاضها الشعب المصري كان الأمر يتوقف عند وصفها بحروب لإعادة أرض أو إزالة لآثار عدوان ، ولم نكن في مواجهة عدو يستهدف " الهوية المصرية " بفجاجة وتخلف بهذا القدر المفزع ، فهويتنا علامة ثبات وجودنا التاريخي والإنساني والثقافي والحضاري على هذه الأرض العظيمة وعلى ضفاف النهر الخالد ..
في شأن التعريف بالهوية في اللغة أنها تعود كمُصطلح مُشتق من الضمير "هو" ؛ ومعناها صفات الإنسان وحقيقته، وأيضاً تُستخدم للإشارة إلى المعالم والخصائص التي تتميّز بها الشخصيّة الفرديّة، أما اصطلاحًا فتُعرف الهويّةُ بأنها مجموعة من المميزات التي يمتلكها الأفراد، وتُساهم في جعلهم يُحققون صفة التفرد عن غيرهم، وقد تكون هذه المميزات مشتركة بين جماعةٍ من الناس سواء ضمن المجتمع، أو الدّولة. ..
لا شك أن خلطة التركيبة المساهمة في مكونات " الهوية المصرية " المتمثلة في تشكيل طبيعة الإنسان المصري وسماته ، قد ظلت سائدة ثابتة فى كل مراحل التغيير التاريخية التى عرفتها المنطقة ، و حتى الآن فهي التى وقفت بمثابة حائط صد ــ على سبيل المثال ــ فى وجه محاولات عناصر سلفية لاستهداف بعض الأضرحة فى القرى المصرية، وهى التى دفعت نساء مصر على اختلاف تركيبتهن الطبقية والاجتماعية والدينية للخروج بحماس بالغ تقدن الأسر المصرية ضد محاولات الجماعة الإرهابية الحاكمة الباغية لتغيير الهوية المصرية ، وهى التى دفعت جماهيرنا بالملايين للخروج إلى الشوارع فى 30 يونيو لرفض حكم جماعة الإخوان للدفاع عن الهوية المصرية التي ظلوا على مدى ما يقارب القرن من الزمان يستهدفونها إلى حد قول أحد مرشديهم " طظ في مصر " ، وقول أخر عن الأرض المصرية " أنها حفنة من التراب العفن " !!
وعلى الرغم من المحاولات المتوالية من قبل أعداء الحياة عبر التاريخ المصري لاستهداف الهوية المصرية و العمل بإصرار وغباوة لتغييرها عكس السياق التاريخى لها ، فإن هويتنا المصرية صمدت أمام كل هذه المحاولات، ورغم ذلك لم تتوقف أيضًا محاولات الاستهداف..
في مقالة له , نشرها منذ أكثرمن 85 سنة في صحيفة " كوكب الشرق ", يشير عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين إلى الحوار الذي دار بينه وبين موظف فرنسي يعمل في المصلحة المسئولة عن إقامة الأجانب في فرنسا حول مسألة الهوية , وكان أديبنا الراحل مبعوثًا من الجامعة الأهلية ليكمل دراسته في السوربون فرنسا عام1914, فاستدعاه هذا الموظف ليراجع معه أوراقه, وسأله عن جنسيته , وأجاب طه حسين: أنا مصري! غير أن الموظف الفرنسي يعيد عليه السؤال مرة أخري: أسألك عن جنسيتك لا عن البلد الذي ولدت فيه, أنت ولدت في مصر, لكن مصر لا جنسية لها , لأنها ليست دولة مستقلة , وإنما هي ولاية تابعة للسلطنة العثمانية, فأنت إذن لست مصريًا, بل أنت رعية من رعايا السلطان العثماني !
وعليه ، أسعدني كمواطن مصري أن تحتضن بلادي فعالية شبابية عالمية حول رؤية مستوحاة من كتاب " الأعمدة السبعة للشخصية المصرية " للكاتب الدكتور ميلاد حنا، حيث يهدف بكتابه المتميز التأكيد على وحدة النسيج المجتمعي المصري والبحث العلمي المصري الأصيل حول التعرف على أهم مكونات الهوية المصرية .
نعم ، إنها فعالية " منتدى شباب العالم " في نسخته الثانية في شهر نوفمبر القادم بمدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي ، و أن يضم المنتدى الذي سيعقد خلال الفترة من 3 حتى 6 نوفمبر شبابًا من مختلف بقاع الأرض، باختلاف ثقافاتهم وحضاراتهم، بهدف التحاور حول القضايا الدولية والعالمية التي تهم الشباب وتؤثر فيهم عالميًا.
ويدور المحور الرئيسي لفعاليات المنتدى هذا العام ـ كما ذكرت ــ حول رؤية مستوحاة من كتاب الأعمدة السبعة للشخصية المصرية للكاتب الدكتور ميلاد حنا، حيث يهدف بكتابه المتميز لتأكيد وحدة النسيج المجتمعي المصري، رغم تباينه واختلافه، وانطلاقًا من تلك الرؤية كانت الدعوة إلى عقد جميع فعاليات المنتدى في إطار تلك الأعمدة الرئيسية للمجتمع المصري، الذي استطاع على مدار عصور طويلة أن يكون مركزًا للتواصل بين مجتمعات عدة في العالم ..
عفارم ، وألف تحية لمن اختار الموضوع والتوقيت ، ولا أعرف سببًا لعدم التنويه عن صاحب الفكرة ..
تتحدد الأعمدة المصرية عند ميلاد حنا كما عرضها في كتابه في سبعة مكونات أربع منها تاريخية وثلاث ينتمين إلى عالم الجغرافيا ، وهي كالآتي: العمود الفرعوني ثم اليوناني الروماني ويتداخل معه العمود الثالث وهو القبطي وأخيرًا عمود الإسلام، أما الأعمدة الجغرافيا فهي العروبة وثقافة البحر المتوسط والبعد الأفريقي وهو المستقبل كما يراه ميلاد حنا.
يشير كتاب ميلاد حنا بتأثره بالهوية القبطية أولًا وذلك بحكم الولادة والبيئة وعوامل النشأة ، ثم تأثره بالحضارة الإسلامية بحكم القراءة والاضطلاع واستيعابه الملفت لآيات القرآن ونصوص الحديث النبوي ومعرفته لفقه المسلمين واجتهاداتهم ومعايشته لهم على أرض الواقع كما يوضح الكتاب صدق انتماءه لمفهوم القومية العربية التي لا يرى فيها نشوزًا وانفصامًا عن ميراثنا الفرعوني فمصر فرعونية الجد عربية الأب كما قال جمال حمدان وكما أيده ميلاد حنا.
كعناوين رئيسية لتلك الأعمدة تمثلت في تلك الهويات الأصيلة :
العمود الأول: انتماء مصر الفرعوني
العمود الثانى: انتماء مصر اليونانى الرومانى
العمود الثالث: انتماء مصر القبطى .
العمود الرابع: انتماء مصر الإسلامي
العمود الخامس: انتماء مصر العربي
العمود السادس: انتماء مصر للبحر المتوسط
العمود السابع: انتماء مصر الأفريقي
كل التمنيات الطيبة لأن تحقق مناقشات محاور تلك الندوة العالمية أهدافها ، فقد أدمنا في الفترة الأخيرة النجاح في كل ما نقيمه من فعاليات وطنية شبابية ، و مصر لن تنهض بحاضرها وحده, ولا بماضيها وحده, وإنما تقوم بتاريخها كله, ومصر بهذا التاريخ فرعونية هيللينية, مسيحية, عربية, مسلمة, أوروبية.