أبرمت مصر اتفاقاً مع صندوق النقد الدولى فى 11 نوفمبر 2016 للحصول على تسهيلات تمويلية بمبلغ 12 مليار دولار أمريكى، وقد انقضت الآن حوالى ثلاث سنوات عجاف منذ بدء تنفيذ الإصلاحات النقدية والمالية والبنيوية المشروطة بموجبه، وتم سحب إجمالى رصيد التسهيلات الممنوحة من الصندوق التى سيبدأ سدادها من عام 2021، وقد عانى الشعب المصرى كثيراً فى هذه الفترة تحت وطأة معدلات تضخم غير مسبوقة أكلت القوة الشرائية لدخول المواطنين المحدودة.
وقد أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أخيراً أن نسبة المواطنين ذوى الدخول تحت مستوى الفقر (8827 جم سنوياً) زادت من 27.8% فى عام 2015/2016 إلى 32.5% فى عام 2017/2018 وأن نسبة الأكثر بؤساً منهم أى القابعين تحت خط الفقر المدقع (5890 جم سنوياً) زادت بدورها من 5.3% إلى 6.2% فى نفس الفترة مع التنويه بأن معدل قياس حد الفقر المستخدم من جانب الحكومة المصرية هو 1.40 دولار أمريكى فى اليوم مقارنة بـ1.90 دولار أمريكى حسب تعريف البنك الدولى.
ورغم محاولات متعددة للامتصاص السياسى والتخفيف الإعلامى لوطأة هذه الأرقام بالتركيز على إنجازات برنامج الإصلاح فى تحسين المؤشرات الكلية للاقتصاد إلا أنها اصطدمت بتساؤل جماهيرى واضح وملح يتلخص فى ماهية الفائدة المادية المستقبلية المرتقبة التى سيجنيها المواطن العادى بعد التضحيات الكبيرة التى تحملها بصبر وجلد؟
وقد زادت الحكومة من خطئها فى معالجة الوضع بإطلاق تصريحات عن قرب انتهاء فترة الإصلاح لإعطاء صورة ذهنية بأن الصعب قد مر والخير قادم، وهى صورة ستكون ملتزمة أمام الرأى العام بتحقيقها فى وقت قريب- رغم صعوبة ذلك عملياً- فى إطار الضعف الواضح فى القطاعات الإنتاجية والخلل المستمر فى سياسات توزيع الدخل إلا إذا استطاعت الدولة معالجة الأسئلة المحورية التالية بشكل مقنع وقابل للتنفيذ:
- ما هى الخطة السريعة والمحددة (Fast Track Plan) لتنمية الصادرات السلعية والخدمية ذات القيمة المضافة للاستفادة من تعويم الجنيه المصرى، وتخفيف الاعتماد على المصادر الريعية للعملة الصعبة (تحويلات العاملين فى الخارج وإيرادات قناة السويس وصادرات الغاز)، ذات المخاطر والتقلبات الخارجية؟
- ما هى الإصلاحات البنيوية المكملة التى ستنتهجها الدولة لضمان عدالة التنافسية بين كل الشركات والمؤسسات المصرية والأجنبية دون تمييز لصالح أى جهة؟ ما هى الإجراءات التحفيزية لتشجيع القطاع الخاص الإنتاجى فى كافة المجالات للعمل والاستثمار مع الأخذ فى الاعتبار أن ترتيب مصر متراجع جداً (120 من 190 دولة) فى المؤشر العالمى لسهولة التعاملات فى مجال الأعمال؟
- ما هى خطة زيادة الموارد الضريبية بتحسين أساليب الحصر والتحصيل لمواجهة التهرب وإلغاء الإعفاءات القطاعية غير المبررة؟ هل ستقوم الدولة بتطبيق نظام تصاعدى للضرائب على الدخل للأفراد- ولو لفترة محددة- كرسالة واضحة لالتزامها بالعدالة الاجتماعية أمام الأغلبية المطحونة للشعب المصرى، وكبديل عملى عن الرسوم والجباية العشوائية؟
- هل ستحدد الدولة سقفاً آمناً للدين العام الداخلى والخارجى على أساس تصور متحفظ لقدرتنا على تدوير وتسديد التزاماتنا للغير دون تعثّر، وتقوم بإدارة موازنتها فى إطاره دون تجاوزات؟
- كيف ستعالج الدولة مشكلة مجانية التعليم الصورى المزمنة التى تُنتِج شهادات لا كفاءات بشرية قادرة على الإنتاج والإبداع والتنافس بالمستوى المطلوب رغم قدرات شبابنا الأكيدة وحرص أولياء أمورهم على بذل الغالى والنفيس للاستثمار فى تعليمهم؟
- ما هى خطة ترشيد وتطوير الموارد المائية تحسباً لأى أضرار مرتقبة من استكمال بناء سد النهضة وملء بحيرته فى إثيوبيا باستخدام العلم والتكنولوجيا والتسعير المنطقى لضمان الكفاية من هذا المورد الخطير لسد متطلبات الشرب والرى والتنمية؟
- ما هى خطة الاستقطاب والاستفادة من الموارد البشرية والمالية لدى المصريين المهاجرين والمغتربين بشكل يتجاوز تحويلاتهم النقدية التى ستواجه ضغوطاً انكماشية فى المرحلة القادمة؟
- كيف تنوى الدولة معالجة مشكلة الفساد السابق والحالى بآليات جدية لردعه بيد من حديد وضمان تحجيمه وانحساره؟
- ما هى إجراءات تطوير الشفافية فى عرض الأرقام المالية وتفاصيل التعاقدات لكافة المؤسسات الحكومية لمتابعة أدائها وجودة استثماراتها؟
دون إجابات سريعة وشافية لهذه التساؤلات التى لا يغطيها أو يلغيها التوسع فى مشاريع التنمية العمرانية والبنية التحتية، ودون حوار مجتمعى واسع وحر حول كافة البدائل المستقبلية المتاحة وأفضلياتها، أخشى أن نجد اليوم يكرر الأمس، فقد نجحت حكومة د. عاطف صدقى (1986- 1996) فى تنفيذ إصلاحات نقدية ومالية مؤثرة أدت إلى تحسن ملموس فى كافة مؤشرات الاقتصاد المصرى الكلية، وصارت مصر من النمور الواعدة استثمارياً أمام العالم، ولكن فشلها فى المحور الأصعب، وهو الإصلاح البنيوى (Structural Reform)، الذى يخلق التنمية الإنتاجية المستدامة وعدم قبولها الكامل بالتحول التدريجى لاقتصاد حر يقوده القطاع الخاص تحت رقابة لا منافسة الدولة، وفشلها فى محاربة الفساد أو تطوير التعليم أو فى الحد من تدخلاتها فى الاقتصاد بما يتبع ذلك من مزاحمة ومنافسة غير متوازنة أدى إلى فقدان الفرصة وتبخر نجاحها الأولىّ أمام نفوذ ومصالح الدولة العميقة.
نقلا عن المصري اليوم