اتصلت بى السيدة نهلة سالم محمد سالم تشكرنى على كتابى الأخير، المسكوت عنه فى التاريخ، وتعتب علىّ بخلى وعدم إسهابى فى الكتابة لأن كل موضوع يحتاج كتابًا له وحده!
استمرت المكالمة عشرين دقيقة قالت: بكل أسف أولادى يتعلمون بالخارج، وابنتى الصغيرة 11 عامًا أخاف عليها يقصون شعرها، وإذا حدث لا قدر الله فهى صدمة نفسية لن تبرأ منها العمر كله! انتهى كلام مدام نهلة سالم.
سمعنا عما حدث، ولم نسمع عن العقوبة! يقولون: حالات استثنائية، ونسوا أن أى ظاهرة شريرة تبدأ بحالات استثنائية! إن إقدام المجرم من تراجع الدولة، وقوة المجرم من ضعف الدولة الممثلة فى سيادة القانون.
جونار ميردال صاحب كتاب «الدراما الآسيوية» يحدثنا عن العامل المشترك الأعظم بين الدول الرخوة «الفاشلة»: غياب سيادة القانون.
تحول الإنسان من حيوان الغابة إلى إنسان بقانون إلهى: جنة أو نار، وقانون بشرى: حرية أو سجن أو إعدام.
حاصرت البحرية الأمريكية ولاية أركانسو، وألقت القبض على ناظر مدرسة والمحافظ مع مئات المتظاهرين، لأن الناظر رفض قبول بنتين سوداوين، مخالفًا الدستور: نحن لا يهمنا لونك أو دينك، يهمنا أن تعطى هذا البلد أفضل ما عندك وسيعطيك هذا البلد أفضل ما عنده، فى ظرف أسبوع كان الناظر والمحافظ فى السجن، والبنتان فى المدرسة!
أمر محمد على باشا بإعدام مصرى قتل يونانيًا، وأعلن محافظ الإسكندرية أن الباشا سوف يشنق كل من يعترض على هذا الحكم.. هيبة الدولة فى سيادة القانون.
رفض مجلس العموم البريطانى توجيه اللوم لمستر كنج رئيس تحرير التايمز بناء على طلب تشرشل، قال رئيس المجلس: الويل لنا إذا خالفنا القانون حتى نكسب الحرب! مستر كنج من حقه أن يهاجم تشرشل كما شاء! هذا يذكرنى بأن أعظم كلمة فى قاموس أى لغة هى كلمة: النقد أى الإيجابيات والسلبيات، وطرق العلاج، كما يذكرنى بكلمات شارل ديجول أثناء الحرب العالمية الثانية: فرنسا بخير ما دام القانون بخير! إذا كان التاريخ هو وعاء للتجارب الإنسانية، فماذا نأخذ منه، وماذا نترك؟!
آخذ من عبدالناصر انفتاحه على إفريقيا، وقوته كرجل دولة، وأترك ديكتاتوريته وصدامه مع الدول الشريرة، وآخذ من السادات حنكته ودهاءه «كانت جولدا مائير تسميه the black fox وأترك تمزيقه للنسيج الاجتماعى والتقرب إلى جماعة على حساب الوطن.
آخذ من مبارك كلامه القليل ومواقفه الوطنية فى صمت أمام إسرائيل، وأترك إهماله الجسيم للتعليم ومصر كلها، وترك الحكم لأسرته، وكارثة التوريث من بعده!
الشىء الوحيد الذى ينفرد به الإنسان أنه كائن حى ذو تاريخ، وعلينا أن نتعلم من إنجازاته، ونتجنب انتكاساته.
كلمة أخيرة فيها انطلاق مصر: للقانون أنياب ومخالب على المجرمين، وللقضاء قبضة حديدية، وإن بدت فى قفاز حريرى.
نقلا عن المصري اليوم