طارق الشناوي
أثناء عرض فيلم (إسماعيل يس فى الأسطول) 1957، نشرت الجرائد المصرية أن الشركة المنتجة وبسبب تزايد حالات الإغماء لفرط الضحك، تطمئن الجماهير الحبيبة بأنها قد أرسلت إلى كل دار عرض على نفقتها الخاصة عدد أربعة أطباء مزودين بأحدث الأجهزة، حتى يتدخلوا سريعًا فى حالة حدوث مكروه لا قدر الله. بالطبع كانت لمحة ذكية فى أسلوب الدعاية، انطلت قبل 62 عامًا على البعض وصدقوها، والغريب فى الأمر أن البعض حتى الآن يتعامل معها باعتبارها حقيقة، متجاهلًا الإطار الدلالى لها والذى يعنى أن (الضحك للركب)، ولم تكن المرة الأولى، مثل تلك الحكاية أيضا التى نتناقلها كحقيقة أن الرئيس عبدالناصر عندما كان فى زيارة للمغرب وكان فى استقباله الملك محمد الخامس وأثناء الموكب، تقدم مواطن مغربى قائلا لعبدالناصر: أنت من مصر؟ أجابه: نعم، فأوصاه بمجرد عودته بالسلام على إسماعيل يس. الإطار الدلالى هو أن حضور إسماعيل يس فى ضمير الشعب العربى أكبر حتى من حضور أكبر سلطة سياسية. بعد يومين نطفئ 107 أعوام على ميلاد صاحب أغلى وأعلى وأحلى وأصدق وأنقى ضحكة عرفتها مصر والعالم العربى. كان إسماعيل يس واحدًا من أهم الأسلحة الناعمة لثورة 52، كانت الدولة ممثلة فى جهاز (التوجيه المعنوى) التابع للقوات المسلحة تدرك أهمية جذب الشباب للالتحاق بالجيش، لتؤكد بُعد النظر الذى تحلى به رجال ثورة يوليو فى السماح بتقديم رؤية ساخرة لمختلف الأسلحة، ونجحت السلسلة التى بدأت عام 55 بفيلم (إسماعيل يس فى الجيش) إخراج فطين عبدالوهاب، وكان ضابطًا سابقًا فى القوات المسلحة. سر نجاح هذه الأفلام أنها لم تعتمد فقط على (كاريزما) البطل، ولكن هناك لغة سينمائية قادرة على الجذب.
إسماعيل يس قطعًا كان مدركًا لدوره الوطنى، وتوافق بداية أفوله السينمائى كأحد أكبر من يحققون الإيرادات مع بداية إنشاء مؤسسة السينما التابعة للدولة مطلع الستينيات، شهدت البلاد متغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية، لم يستوعب إسماعيل تفاصيلها، أثرت قطعًا على أسلوب التلقى، وبالتالى كان يجب أن يغير من طريقة الأداء، وتواكب ذلك مع ظهور جيل جديد من نجوم الكوميديا أنشأوا (شفرة) جديدة للضحك، مثل مدبولى والمهندس وعوض وأمين الهنيدى وأبوبكر عزت وغيرهم. حكى لى المخرج الراحل يس ابن إسماعيل الوحيد أنه كان زميلًا وصديقًا لخالد عبدالناصر، وعندما بدأ يلاحظ المأساة التى يعيشها والده أخبره بأنه يرى عبدالناصر يوميًّا فى المنزل، ومن الممكن أن يطلب منه التدخل لحل مشكلته، رفض إسماعيل تلك الوساطة، ورغم ذلك ومع استمرار الأزمة أرسل خطابًا مفتوحًا لوزير الثقافة الأسبق يتهم فيه مؤسسة السينما بتعمد إقصائه لحساب آخرين، وفى حوار له قال للمسؤولين فى الدولة: (هم يعلمون إنى قدمت لهم كتير بخاطرى ومش بخاطرى). ظل إسماعيل يس فى سنواته الأخيرة خارج نطاق الخدمة، لم يقف معه أحد، وعاد كما بدأ أيضا مونولوجست، يلقى النكت على المسرح فى شارع الهرم، مع تغيير جذرى أنه فى الماضى كان يستمع إلى ضحكات الجمهور، بينما منذ نهاية الستينيات وحتى رحيله عام 72، تبدلت أصوات (القهقهة) إلى نداء كثيرا ما يتكرر (قديمة يا سُمعة). مات إثر أزمة قلبية مفاجئة بعد أن كان يهدد قلوب الناس جميعًا بالضحك موتًا، غادرنا مكسور الخاطر حزين القلب!!.
نقلا عن المصرى اليوم