محمود العلايلي
دُعيت الأسبوع الماضى لإلقاء محاضرة عن «دور المسلمين فى التعايش مع المسيحيين فى منطقة الشرق الأوسط»، والحقيقة أن عنوان المحاضرة كان مستنفرا بالنسبة لى، ليس على مستوى خلق محتوى يليق بالمحاضرة والحاضرين، بقدر ما كان الهدف تفكيك العنوان وتحليل دوافعه.
وبشكل مبدئى وصلنى من العنوان أنه وكأن على المسلمين مسؤولية رعاية المسيحيين وتوفير المناخ المناسب لهم فى العيش فى أجواء آمنة، أو بمعنى آخر فإن أمن المسيحيين واستقرار حياتهم منوط بقبول المسلمين ورضاهم، والواقع أن النقطتين لم تلقيا لدىّ قبولا أو حتى استفزتانى للحديث عنهما، ولذلك تناولت فى حديثى وضع الحالة الدينية فى منطقة الشرق الأوسط من حيث القبول الدينى بشكل عام، لأننا إذا نظرنا إلى المسألة بقليل من العمق فسنجد دون عناء أن الغالبية تدعى القبول والتسامح، خاصة إذا اتصف الحديث بالعلنية، بينما الواقع يؤكد أن هناك تنافرا شديدا بين أولياء المعتقدات الدينية يظهر بجلاء فى المجتمعات الخصوصية والتجمعات الدينية، ونستثنى من ذلك بعض المتطرفين على الجانبين الذين يجاهرون بالعداء لمن سواهم، عن طريق الفيديوهات التى تُبث عبر وسائل التواصل الاجتماعى.
والشىء اللافت أيضا فى تلك المشكلة أننا نجد أن العلاقة بين بعض أصحاب الديانات وأصحاب الديانات الأخرى تكاد تكون أكثر قبولا من قبول البعض من ذوى الدين الواحد لأمثالهم من المذاهب أو الطوائف المخالفة، مثلما نرى من التنافر بين السنة والشيعة، أو الدروز، وكما يجرى بين الأرثوذكس والإنجيليين أو الكاثوليك بنسبة أقل، بينما هناك بعض الطوائف التى تُعتبر خارج الإيمان أصلا وتعتبرهم الطوائف الرئيسية غير مسيحيين من الأساس.
والمشكلة أن أساس التعامل فى منطقة الشرق الأوسط قائم على فرضية أن العالم مكون من ثنائية المسلمين والمسيحيين، وهو ما يخلق فى الأساس فرضية ذهنية قائمة على التنازع والتناحر، وهى نظرة شديدة الضيق، حيث تموج المنطقة بعقائد وملل، سواء المتشعبة عن الأديان الأصلية، أو ذات الجذور المستقلة، مثل البهائيين والمندائيين والأزيديين على سبيل المثال، بالإضافة إلى غير المتدينين، وصحيح أن عدد كل هؤلاء قليل بالمقارنة بالمسلمين والمسيحيين، ولكن تأثيرهم مهم من حيث مبدأ التعددية والقبول بشكل عام، للخروج من ثنائية الإسلام- المسيحية المسيطرة على أساس المشكلة، وبالتالى مسيطرة على أنساق الحلول المطروحة لها.
وقد دأب مواطنو الشرق الأوسط فى الآونة الأخيرة على الهجرة لبلاد العالم المتقدم لأسباب سياسية واقتصادية، بالإضافة إلى البحث عن أجواء من التعايش الدينى، الذى يعد عنصرا مهما لأسباب الهجرة، وقد دفع الكثير من المهاجرين لاتخاذ هذه الخطوة وشجعهم التجارب الإيجابية من ذويهم السابقين لهم، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، وقد استمتع هؤلاء بجو الحرية الدينية فى تلك البلاد، لدرجة أن بعض الإسلامويين حاولوا أن يدعوا لمعتقداتهم ويفرضوها فى البلاد التى هاجروا إليها بدينهم، حيث مازالوا يعتبرونها دار الكفر وبلاد الكفار.
وبالنظر إلى تجارب تلك البلاد التى يعيش فيها الجميع كمواطنين دون النظر إلى التباين الدينى، فيجب علينا أن نكف عن الطرق التقليدية التى نحلت أجسادنا، بمحاولات النصح والتمسح فى التسامح والحب، لأن المسائل الانتقائية لا تبنى أممًا ولا تُقوّم شعوبا، بل يجب أن يكون هناك توجه علمانى واضح ورسمى على مستوى الدساتير والقوانين، ومن ثم ينتقل هذا إلى ذهنية جميع المواطنين أن الآخرين ما هم إلا أفراد فى المجتمع لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، مع الإذعان بثنائية الحساب والتقييم، حيث يحاسب الله الفرد على معتقده وإيمانه، بينما يقيّم المجتمع المواطن على تصرفاته وأعماله.
نقلا عن المصرى اليوم