بقلم: صفوت مجدي
"هكذا هى الحياة...تمضي رغماً عنا، تمضي وتحمل معها ذكرياتنا بحلوها ومرها دون استذان...!
فهل وجدت يوماً بابك يدق ففتحت وإذ ب "يوم" يطلب منك السماح بالرحيل...أظن أن هذا درباً من الخيال! ، تمضي الأيام ويتمنى الكثيرون منا لو أن الحياة كانت مثل لعبة كرة القدم لنجد فرصة لإحتساب "وقت بدل ضائع" لكن للأسف ليس لدينا هذا الأمتياز، فالوقت محسوب علينا سواء استعملناه أو لم نستعمله وما ُنضيعه يضيع إلى الأبد،لذا دائماً نجد أنفسنا فى معركة مع طوفان الزمن الذي فى كل علاقتنا معه يشوبنا شعور بالخوف لأننا نقترب به دوماً من النهاية، بعيداً عن بهجة البدايات...وفى الهزيع الرابع نقف بهذا الخوف ونتأمل فلا نرى سوى عتمة...ألم...ووحشة، لكن فجأة تُدركنا "ومضات نور" إلهية تكون كبلسان للجروح.
"ومضات فى وجه الرحيل"... كلمات بسيطة قليلة، أتمنى أن تجد فيها شئ صالح لك عزيزي القارئ وإن حدث ذلك فهو من عند صاحب الومضات نفسه "أَبِي الأَنْوَارِ" (يعقوب17:1)".
*ويمضي العمر...!
لا ليس عنواناً لرواية أو فيلم سينمائي....بل عنواناً حتمي لكل إنسان يجد نفسه فجأة وقد مرت السنين من أمام عينه دون أن يدري أو يفكر حتى كيف مرت من بين يديه، أحدهم صرخ قائلاً لى :"أنا اتسرقت!!" ظننتُ أنه قد فقد شئ من مقتنياته، لكنني اكتشفت من كلامه إنه فقد من هو أعظم من كل مقتنيات الحياة إنه "العمر"...لقد إلتهمته السنين وتاه فى سجون الزمن والأنا أو كما كانت تصور الأساطير اليونانية القديمة "إله الزمن" وكأنه يلتهم أبنائه...!!
عبر د. زكريا إبراهيم فى كتابه الرائع "مشكلة الإنسان" عن تلك "المأساة" فيقول :"ربما كان أقسى ألم يعانيه الإنسان، هو ذلك الألم المنبعث من استحالة عودة الماضي، وعجز الإنسان فى الوقت نفسه عن إيقاف سير الزمن!"...ثم يستطرد ويقول " ألسنا نتحسر على ذلك الماضي، الذي انقضى سريعاً كعمر الزهور، ونتمنى من الله لو اتيحت لنا فرصة لأن نستعيده ولو في لحظة إلهية خاطفة؟!".
هنا استوقفني "الوميض" وهانحن نقترب من نهاية العام وبداية الجديد...
هل نتباكى الماضي ونتحسر على المستقبل أما الحاضر فلا وجود له فى جدول الرثاء؟!
وهوذا الصوت الإلهي يهمس: أشعر بك أعلم بعمق جروحك ودموعك لم أحول وجهي عنها لماذا يا ابني تنسى وجودي هل تقول:" ليس لي إنسان"...التفت إلي أنا لك!!
لقد فات الماضي...ضاع من يدك (كما تقول) لكن أمامك الحاضر بل ومعك وفي صفك إله الماضي والحاضر والمستقبل ..."إله التعويضات"، فهو سيشفي كل جروحك وسيمسح كل دموعك
استمتع بلحظات الحاضر مع الله... لا تدعه يضيع فى الرثاء .
*زمن الأنتظار...ورجاء الهزيع الرابع!
هل تتذكرون قصة التلاميذ وهم فى السفينة وسط البحر وحدهم...!
يقول الكتاب فى الانجيل بحسب البشير مرقس "ولما صار المساء" كانت السفينة وسط البحر...
وعلى الشط من بعيد يوجد الُمعلم لكن العجيب أنه يراهم وهم "معذبين فى الجذف . لأن الريح كانت ضدهم" (مرقس48:6)...لكنه مكث مكانه ولم يتحرك!!....
هل جاء المساء...هل دخلت السفينة "سفينة حياتك" وسط البحر؟؟
هل دخلت الهزيع الرابع..حيث "الليل البهيم"..ولا مجال لرؤية شئ سوى السواد والعتمة المُريبة!!
إنه يا عزيزي ليس سوى :"زمن الأنتظار"...لأن المُعلم حتماً قادم!
زمن الأنتظار....زمن ثقيل على النفس
أعلم أنك قد تقول : لقد طال غياب الُمعلم...مضت ساعات وأيام بل وسنين ولم يأتي...!!
الليل دخله مراحله الأخيرة..حيث الهزيع الرابع فالعتمة تتصدر المشهد وبقوة!!
أين المهرب...والعواصف والرياح وعدم الاستقرار...أين الإجابات فالأسئلة تزداد يوماً بعد يوم!
أين المُعلم من الأحداث...هل تركنا...هل نسينا...هل لا يعرف كم نحنُ محدودون ولا طاقة لنا أمام العواصف؟!
ضوء الوميض هنا...المُعلم ليس ببعيد إنه هناك على "البر وحده" (مرقس47:6).......
مازال ممُسك بزمام الأمور...وفى الوقت المعين عندما فقدوا كل رجاء فى الإنقاذ وفى كل تخطيط بشري
جاء المُعلم...أتاهم ماشياً على البحر قال كلمته "لا تخافوا" ولم يكتفي بذلك بل "صعد إليهم إلي السفينة"
فسكنت الريح ...عزيزى يا من طال وقت إنتظارك للرب لا تقلق فهو فى الطريق إليك حتى وإن اجتزت فى الهزيع الرابع...سيصعد لسفينة حياتك فقط سر فى الخطة الإلهية و"انتظر الرب، فليتشدد وليتشجع قلبك. وانتظر الرب" (مزمور14:17)...لا تستسلم لظلام الليل الدامس انتظر الفجر فيالذعر "الليل البهيم" عندما يرى الفجر آتياً فلن يطيق الانتظار ولو للحظة فيذهب إلى غير رجعة.
* لقد اتخذتُ القرار...
نعيش وقت صعب من تاريخنا كأقباط مصر...(خاصة ما بعد الثورة) وكل يوم ينضم لتاريخ الانتهاكات ضدنا أحداث وأحداث وزدات التساؤلات داخل الوسط القبطي...ماذا نفعل؟؟ ما الحل خاصة بعد اكتساح التيارات المتشددة للانتخابات البرلمانية وما نسمعه من الحين للآخر عن قرارات وأفكار ومخاوف تنقلها وسائل الأعلام المختلفة والكل يسأل عن "المصير"... البعض فكر فى الهجرة وأخرون هاجروا فعلاً ...!
أما أنا مثلي مثل أى إنسان سألت نفس السؤال ووُجه لى السؤال :"ماذا نفعل"؟!
ذهبت بحيرتي إلي الرب...وجاء" الوميض الإلهي المبُارك" لكلمات وضعها الرب أمامي لشاب إفريقي كتبها قبيل استشهاده فى سبيل إيمانه بالمسيح...وجدتها كمن وجد غنيمة وافرة وعندها اتخذت القرار كما قالها هذا البطل، سأترك معك "عزيزي القارئ" تلك الكلمات لعلها تكون "قانون إيمان جديد" وصرخة إيمانية فى وجه الزمن...، وجه الاضطهاد...، وفي وجه الرحيل أيضاً....!!
يقول :" أنا عضو في شركة غير المخزيين......
لقد سبق السيف العذل..،
وتخطيت الحد .
لقد اتخذت القرار... أنامن أتباع المسيح
لن أنظر للوراء أو أتخاذل أو أتباطأ أو أرجع أو أهدأ......
ماضي مفدي، حاضري له معنى، مستقبلي مضمون.
قد انتهيت وتخلصت من العيشة الذليلة، من السير بالعيان،
من الركب الناعمة، من الأحلام الشاحبة، من الرؤى المقيدة وكلام العالم....
من العيش الرخيص والأهداف الفاسدة.
وقد ثبت وجهي، وأسرعت خطاي، وهدفي السماء ،
وطريقي ضيق، وسبيلي وعر، ورفقائي قليلون،
ودليلي أهل للثقة، ورسالتي واضحة.
فلن أستسلم أو أصمت أو أتهاون، حتى أسهر وأصلي وأدفع الثمن مقابل إيماني بيسوع المسيح،
ولابد أن أكمل المسير إلى أن يأتي، وأعطي حتى أسقط،
وأكرز حتى يعرف الجميع، وأعمل حتى يوقفني هو.
وحين يأتي لخاصته، لن يصعب عليه التعرف علي لأن رايتي ستكون واضحة!".
** ختاماً..."الومضات" لا تنتهي لأن مصدرها حي أبدي لا يبخل أبداً أن يتكلم ويكشف ويشفي ويخلص،
لنكن دائما على المرصد فى المحضر الإلهي فاتحين كلمة الله المقدسة وحتماً سيتكلم الله طالما يجدنا مشتاقين لصوته.
كل عام وحضراتكم بخير...."ماران آثا".
شذرات:
" إزعجنا يارب...
لأننا بسبب امتلاكنا الكثير..
فقدنا عطشنا للماء الحي،
وبسبب حبنا للحياة ...توقفنا عن الحلم بالأبدية،
وبسبب محاولاتنا لأن نبني أرضاً جديدة...فقدنا رؤيتنا للسماء الجديدة" ( السير فرانسيس دريك1577 م).
(كاتب وباحث مسيحي—معد برامج)