عادل نعمان
لا يستطيع أن ينكر أحد أن أغلب الذين دخلوا الإسلام لم يكن بإرادتهم أو باختيارهم، سواء فى الجزيرة العربية بعد حين من الهجرة، أو خارج حدود الجزيرة فى عهد الخلفاء والأسر الحاكمة، بل كان بالإجبار والإكراه، فلم تكن المجادلة والمناقشة والمحاورة سبيلا للإقناع، ولا كانت المقارنة والفرز والانتقاء حقًا للإقرار والقبول، ولا كانت المناظرة والسجال بين رجال الدين واحة للتفكير والرضا، فإما الجزية أو القتل أو الإسلام، والبعض منهم كان الغزو والغنائم والأنفال محركا ودافعا لإسلامهم، ولا ننكر على فريق آخر صدق إيمانهم ما كان حائلا بين الضلال والظلم «هذا ما قالوه، وكتبوه».. وفى هذا يقول عميد الأدب العربى «أول العهد بالإسلام كان الرسول وصحبه مستضعفين، وكان الجهاد جدليا» مجادلة «وكاد النبى يقوم به وحده، يجادلهم بالقرآن ويقارعهم بالآيات، وهو كلما بلغ من ذلك حظا انتصر له من قومه فريق، حتى تكون له حزب ذو خطر، لكنه لم يكن حزبا سياسيا، ولم يكن يطمع فى ملك، ولم يكن ذلك فى دعوته، غير أن هذا الحزب كلما اشتدت قوته، اشتدت مناضلة قريش له، حتى كان السبيل الفرار والهجرة إلى المدينة، وقد وضعت هجرة النبى وصحبه للمدينة مسألة الخلاف بينه وبين قريش وضعا جديدا، بأن جعلت الخلاف سياسيًا يعتمد على القوة والسيف، بعد أن كان دينيا يعتمد على الجدل والنضال بالحجة ليس غير».
وهو منعطف سياسى جديد بعد الهجرة، وكان السيف فيها حادا وفاصلا، ولم يكن أصلا أو فرعا فى الإسلام، بل اعتمده الخلف ركنا أصيلا، ارتكنوا عليه فى الدعوة، وليس على غيره، واستكمل الخلفاء البناء، وزاده بنو أمية علوًا وارتفاعا حتى حجبوا الأصل، وطوقه العباسيون وحبسوه، وهلم جرا، وتاهت معالم الطريق الحق بين صهيل الخيول، وصليل السيوف، وقرع الطبول، وأجيج النيران، واعتمدوا الغزو جهادا، والإكراه على الإسلام إكراه حق، وحقوق الغير فىء، ونساء الغير ملك يمين، والدين عند الله ديننا ولن يقبل غيره وإن كان إبراهيم وموسى وعيسى كلهم مسلمين، وجهاد الطلب يسبق جهاد الدفع، ولم تكن ردة الكثيرين بعد موت النبى من أهل الجزيرة إلا دليلا على هذا، وزاد عليهم من تصور أن النبى لا يموت، ومن كان على العهد، وقد فض بوفاته، وعاد من حيث كان، ومن رأى مطامع الحكم تطل برأسها، فمال لحكم قبيلته، كما مالوا، وظلت هذه مهمة الجيوش التى خرجت من الجزيرة للغزو، منها إلى سورية، ومصر، وشمال إفريقية، والأندلس وتركيا والهند والسند وأرمنيا وبلاد فارس، ولم نقرأ عن نقاش أو إقناع، وهو أساس الإيمان بالديانة الجديدة، وليس بالجبر والسيف، وهو أمر غريب! وهكذا كانت خطبة القادة فى عمومها على مواطنى الدول الموطوءة «نحن أنصار الله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه فى الله أبدا وكان قتله علينا يسيرا»، ولم يكن عند أصحاب هذه البلاد بأكثر من هذا المشهد «رجل يقول لزوجته إن جيشًا مدججا بالسلاح خلف الباب يخيرنى بين ثلاثة خيارات، أن أدفع له مالا، أو أتبع دينه، أو يقتلنى، فماذا أنا فاعل؟».
تقول له: ولكن ربهم يقول فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؟ يرد عليها قلت لقائدهم هذا أجاب: «نسخناها وأزلناها» ترد العجوز: إن كان معك مالا فأعطه واصرفه، وإن لم يكن قل له نحن إلى ما تدعو إليه». ولم يعرف أحد منا كيف كان إسلام أجداده الأوائل، دفعوا الجزية ثم عجزوا فأسلموا، أو أسلموا لما عجزوا، أو مالوا إلى الإسلام وهم قلة، فلم يكن معلومًا عن الدين الجديد شىء يذكر، بل شواهده للدخول والخروج هذا الغزو وهذا السبى وهذا السلب، فلا كان مشجعًا ولا كان مأمونًا، أو دافعًا للولوج فيه.
الغريب هذا التناقض بين أمر الله، وما جاءنا به السلف، واعتقد فيه الخلف، فما القصد من هذه الآية الكريمة «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى» إذا قالوا نسختها آيات السيف؟ إلا أن يكون القصد التنازل عن حق الإنسان الحر فى الاختيار. وماذا عن الآية «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الشاكرين» إذا أوقفوا لها حد الردة؟ إلا أن يكون الهدف الافتئات على حق الله فى الحساب؟ فكيف يعيش الإنسان بين سيفين إن دخل وإن خرج؟ هذه مشيئتهم وليست مشيئة الله حين يقول: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم» ركز فى «ولذلك خلقهم».. نحن ننقل دون زيادة أو إضافة أو نقصان.
نقلا عن المصرى اليوم