حمدي رزق
صك الوزير الفنان فاروق حسنى مصطلحاً جديداً، عشوائيات الأغنياء، مقابل عشوائيات الفقراء، الأخيرة على أطراف المدن، نتاج الفقر الذى يورث العشوائية، والأولى فى قلب المدن، نتاج جبروت الثراء الفاحش الذى قضى تماماً على الإرث الحضارى للقاهرة التاريخية، ودمر الإسكندرية بالكلية، فصارتا عشوائيتين بامتياز يعجب الفجار.
عشوائيات الأغنياء يقصد بها الوزير الأبراج السكنية القبيحة الشاهقة التى حلت محل القصور والفيلات الراقية ذات اللمسة العمرانية الفاخرة التى جسدت عصراً من الرقى الحضارى، تعبير عمرانى عن حضارة ضاربة فى أعماق التاريخ تستمد ألقها من هذا المخزون الحضارى الذى تجسد فنونا معمارية تجد أثرا منها فى بنايات وسط البلد.
عشوائيات الأغنياء قضت على نحو 120 ألف قصر وفيلا ذات طراز معمارى فريد ومتميز خلال عشر سنوات ظل فيها الوزير يكافح القبح، قبيل ثورة 30/25، وتفاقمت الظاهرة خلال سنوات الفوضى التى استغلها الأغنياء لاغتيال إرث مصر من العمارة، فأورثونا عمارة قبيحة لا تعدو سوى علب أسمنتية جربة خلوا من اللمسات المعمارية، ربحوا كثيرا وخسرت القاهرة كثيرا، أما عن الإسكندرية وبقية مدن بحرى والصعيد والقنال، فلا تسل، جريمة حضارية ستحاسبنا عليها الأجيال المقبلة.
مشروع إحياء القاهرة التاريخية، الذى يرعاه الرئيس شخصيا، محاولة جدية للحفاظ على الإرث الحضارى الباقى قبل أن تدهمه عشوائيات الأغنياء عبر مخطط شرير لإحلال علب الأسمنت محل قصور مصر وفيلاتها ذات المعمار المتميز الذى أعطى القاهرة طابعا معماريا جعلها تتصدر قائمة العواصم الجميلة، كانت تقارن بروما ولندن وباريس.
عشوائيات الأغنياء مصطلح لا يبرئ الفقراء، ولكنه يدين الأغنياء الذين استحلوا ضعف الرقابة، وتحايلوا على القانون، وشكلوا عصابات من مقاولى الهدم، ومهندسى الأحياء، اجتاحوا القاهرة هدما، ولايزالون يجولون فى الأحياء القديمة بحثا عن فيلا أو قصر ناء يعملون فيها معاول الهدم، وعادة ما يظفرون به.
سطوة المال رهيبة، وتوالى سقوط رؤساء ومهندسى الأحياء فى قبضة الرقابة الإدارية يؤشر على استمرارية نشاط مافيا الهدم، مافيا نافذة استباحت أثمن الفيلات والقصور ذات الطابع المعمارى، والتى هجرها أصحابها أو رحل مالكوها وتركوها نهبا موزعا بين ورثة بضعوها بضاعة رخيصة فى سوق النخاسة المعمارية مقابل ملايين معدودة.
حسرة الوزير الفنان تشكل صرخة لإنقاذ ما تبقى من عمارة القاهرة التاريخية التى ستظل تستصرخ الضمائر الحية فى مواجهة ضمائر ميتة تقتات على جثث معمارية هامدة مهملة بفعل التقادم تنتظر خطة إنقاذ القاهرة التاريخية ليكتب لها حياة.. يا خسارة.
نقلا عن المصرى اليوم