طارق الشناوي
هل نتأمل بهدوء هذه الحكاية؟ أتمنى ذلك، ولى أمنية أخرى نتأملها أثناء التأمل، وهى ما الذى نفعله الآن مع القوة المصرية الناعمة، من نجوم وكُتاب وإعلاميين؟
شاركت، أول من أمس، فى توزيع جوائز المجلس القومى لحقوق الإنسان، الذى يرأسه الأستاذ محمد فائق، الوطنى الشريف، وزير الإعلام الأسبق فى زمن جمال عبدالناصر، يكفى أن أذكر لكم أنه أمضى فى السجن عشر سنوات، فى بداية عهد الرئيس أنور السادات، لأنه كان المطلوب منه وقتها أن يعتذر للسادات ويعود لبيته وأبنائه وزوجته سالمًا آمنًا، كان فى مطلع الأربعينيات من عمره عندما زجوا به فى السجن بتهمة قلب نظام الحكم، ولم يخرج منه إلا وهو فى بداية الخمسينيات، أحلى سنوات العمر أمضاها داخل تلك الجدران، ولكنه عاش بعدها سنوات أجمل، متمتعًا بقيمة باتت عزيزة فى هذا الزمن، وهى الاحترام.
سواء كنت ساداتيًا أم ناصريًا أرجو أن نوقف هذا الجدل، لأنه ليس قطعًا موضوعنا، ونستعيد الحكاية التى رواها، أول من أمس، أستاذ فائق قبل توزيع الجوائز، بحضور العديد من نجوم الفن المصرى.
فى شهر فبراير عام 67، كانت سوريا تحتفل بمرور عام على وصول حزب البعث للسلطة، كانت قبلها العلاقات المصرية السورية مجمدة بعد الانفصال فى 61، تلقى فائق دعوة رسمية، وفى مثل هذه الأمور يجب أن يتم التشاور مع الرئيس لانتظار التكليفات السياسية، فقال له عبدالناصر: (حاول ترجّع صباح لأن الضرائب طفشوها هاتها وحل كل مشاكلها) صباح طبعًا لبنانية ولكنها كانت تنتقل بين سوريا ولبنان، وأضاف، وفائق يهم بالخروج: (خد كمان معاك حد من الفنانين)، واصطحب فائق معه على الطائرة عبدالحليم حافظ والمذيع جلال معوض الذى كان اسمه مقترنًا بعبدالناصر، فهو الذى يقدمه للجماهير قبل خطاباته.
الرسالة وصلت لصباح قطعًا وعادت لتغنى (سلمولى ع الحبايب)، ولكن دعونا نكمل، وقف جلال معوض على خشبة المسرح ليقدم عبدالحليم حافظ، وقال الكلمة الافتتاحية التى ارتبطت بمصر وبالرئيس المصرى (أيها الإخوة المواطنون)، وهتف السوريون لعبدالناصر ولمصر، واستقبلوا عبدالحليم بكل الحب، وكانت فى الحقيقة رسالة تأييد لعودة العلاقات المصرية السورية، وانهالت الرسائل المكتوبة على المسرح، ولم تكن كلها تطلب أغانى ولكنها قصائد حب لمصر وعبدالناصر.
انتهت كلمات الأستاذ فائق، دعونا نذكر أن عبدالناصر رفض أن يورط القوات المسلحة لفرض الوحدة على سوريا فى عام 61 عندما تم تدبير مؤامرة الانفصال، لأنه يدرك جيدًا أن الجيوش لا تستطيع أن تمارس هذا الدور الذى من الممكن أن ينهض به الوجدان.
دعونا ننتقل لهذا الزمن، حضر الرئيس فى 2014 بصفته وزيرًا للدفاع احتفال (عيد الفن) الذى شرفه الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور، وتم توزيع جوائز على العديد من الرموز المصرية، منهم فاتن وماجدة وشادية ومحمود ياسين ونور الشريف وحسين فهمى، ولكن توقفت منذ ذلك الحين تلك الاحتفالية. فى بداية ولاية الرئيس السيسى، أقام مؤتمرًا حضره العديد من الفنانين والكُتاب والإعلاميين، وعندما لمح الرئيس فاتن حمامة بين الحاضرين غادر مقعده وتقدم هو للسلام عليها، فى واقعة أكدت تقديره للفن وليس فقط لسيدة الشاشة العربية.
الآن الباب لم يعد مفتوحًا بين الرئيس والقوة الناعمة، ولا أحصرها قطعًا فى نجوم الغناء والتمثيل، ولكن تتسع الدائرة لتشمل كل أطياف المبدعين، هؤلاء لديهم قطعًا ما يقدمونه للوطن ولديهم أيضًا شكواهم، لأن صوتهم لم يعد يصل الآن للرئيس.
نقلا عن المصرى اليوم