إحنا آسفين يا مجلس
بقلم: رأفت تادرس
من أكثر الكلمات التي آلمتني وحيَّرتني هي الكلمة التي صارت شعارًا لأنصار نظام "مبارك"، هي النداء الذي أطلقوه "إحنا آسفين يا ريس". تعجبتُ لكل ما تحمله هذه الكلمات الثلاث من إيحاءات: فكلمة "إحنا" توحي أنها تتحدَّث عن جميع عموم المصريين في مقابل شخص واحد فقط لا نجسر أن ندعوه باسمه وإنما نذكره فقط لقبًا ومقامًا إنه "الريس"، وأما موضوع الخبر أو سبب تجرؤنا على مخاطبته فيتلخص في كلمة واحدة هي أننا "آسفين". وذكر الكلمة بهذه الطريقة، وبدون أي تفصيلات، تجعلها مفتوحة لكل ما يستهوي الأذن الكريمة لفخامة "الريس" أن يسمعه، ومتروك لمزاجه الملوكي أن يستكمل الجملة بما يريد.
السؤال الذي حيَّرني ومازال هو أيضًا مفتوح ومختصر: "لماذا؟"، وبالبلدي "ليييييه؟" الريس ماشافش ملاعق المر اللي إحنا شربناها براميل. والريس إحنا كفيناه والحمدلله شر الفقر اللي إحنا فيه، فصار لديه تحويشة بسيطة يادوب كام مليار. الريس مكانش في العبَّارة اللي غرقت ولا اضطر يقف في طوابير العيش زي اللي حب ولا طالش، ولا..، ولا... أكمِّل بقى ولا تكمِّلوا أنتم؟!.
لا أعرف لماذا ذكَّرتني هذه العبارة بقصة خروج شعب الله من عبودية فرعون وتحريرهم علي يد "موسى" النبي كما نقرأها في سفر الخروج من العهد القديم. فحين بدأ "موسى" النبي بتبشير الشعب المستعبد بقرب الخلاص، وجد من ضمنهم من يعارض ويرفض، بل ومن يستلذ مذلة الفرعون. "ولكن لم يسمعوا لموسى من صغر النفس ومن العبودية القاسية"؛ وذلك لخوفهم وتعودهم للمذلة. كصبي الورشة الشهير الذي يقول للأسطى الذي ينهال عليه ضربًا: "اضربني كمان يا معلم علشان أنا أستاهل الضرب"!.
صدقوني، أنا حسيت إن دول عاوزين يحققوا فينا نكتة اللي "خد ميت قفا على سهوة" وهم يستلذون بالضحك عليهم ضحكة الشماتة والتشفي في منْ تجرأ أن يقول للكبير ما هو حجمه.
إحنا آسفين يا مجلس
أعتقد أنني لست بعيدًا عن الصواب حين أقول إن هؤلاء "الآسفين" هم أنفسهم الذين ينظِّمون مظاهرات التأييد للمجلس العسكري المصون ولسان حالهم يقول ما قالوه سابقًا للفرعون الآخر. وهذا طبعًا من حقهم طالما رأوا في أنفسهم صبي الميكانيكي العزيز، فإذًا لا شماتة إذا نال "قفاهم" ما أرادوه.
وأما "إحنا" الحقيقية، وأعني هنا بالفعل جميع عموم المصريين، فنحن نضم صوتنا لصوتهم، ونقول أيضًا: "إحنا آسفين يا مجلس". آسفين إننا مش هنسيبك تكمل اللي عمله معانا عمك المخلوع، آسفين إننا مش هنقبل ذلك ومهانتك لنا نساءًا ورجالًا، آسفين إننا لازم نقولك أنت كمان "انتهى الدرس يا غبي".. وأول علامات الغباء المستأصل هي تعاملك مع المصريين كأنك الوحيد اللي فاهمها وبقية المصريين كلهم أغبياء مع كل ما وهبهم الله من الذكاء والفهم.
إحنا آسفين يا مجلس، إننا مش هنسيبك تبيع "مصر" زي ما باعها المخلوع، وشعب "مصر" مش هيقبل تاني أن رئاسة "مصر" تأخد أوامرها من عواصم الخليج. آسفين يا مجلس، إنك مش هتعرف تتعامل معانا كأن "مصر" يسكنها (80) مليون بلطجيًا يحتاجون للتأديب كما تدَّعي في بياناتك.
وكمان آسفين يا إسلاميين!
وأكرِّر هنا ما قد كتبته سابقًا، إنني لا أعني "المسلمين" المصريين الحقيقيين الذين يمثلون التسامح والإخاء كما يليق بشموخ "مصر" وحضارتها المشرفة. الإسلاميون هنا هم من يستغلون الدين من أجل مصالحهم الخاصة والدين لديهم ما هو إلا وسيلة للوصول إلى أهدافهم الخاصة. هؤلاء لا يمانعون أن يشعلوا النيران في كل "مصر" طالما أطفأ هذا حريق ظمأهم المريض للكرسي والسلطة. هم من يدَّعون أنهم مصريون ولكنهم بأفعالهم وأقوالهم يكنون لـ"مصر" وحضارتها وشعبها وتاريخها كل احتقار واستهانة. الإسلاميون هم منْ يريدون من الآخرين أن يسفكوا دماءهم من أجل الديمقراطية حتي تعطيهم هذه الديمقراطية فرصتهم الذهبية لذبح الديمقراطية ومعها كل من سيجرؤ على أن يكون له رأي، ناهيك عن المجاهرة به.
لهؤلاء كلهم نقول: "إحنا آسفين يا مجلس"، و"إحنا آسفين يا إخوان"، و"إحنا آسفين يا سلفيين".
ويارب بارك في شعبك "مصر" في هذه السنة القادمة وكل الأيام.
مع خالص تحياتي وشكري لـ"مصر" وشعب "مصر".
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :