مراد وهبة
اختار الشيخ على عبدالرازق مذهب الفيلسوف الإنجليزى جون لوك الذى ينكر الحق الإلهى للحاكم ويدعو إلى تأسيس المجتمع بعقد اجتماعى يتم بصياغة أعضائه. وبناء عليه يرى شيخنا فى كتابه المعنون «الإسلام وأصول الحكم» أن ثمة تناقضاً حاداً بين مذهبى هوبز ولوك، بمعنى أن كلاً منهما ينفى الآخر. ونفى على عبدالرازق المذهب الأول الذى يدعو إلى الحق الإلهى للحاكم فلم يبق أمامه سوى المذهب الثانى وهو مذهب لوك الذى ينكر هذا الحق. وبناء عليه يقول: «إن الواقع المحسوس الذى يؤيده العقل ويشهد به التاريخ قديماً وحديثاً أن شعائر الله تعالى ومظاهر دينه الكريم لا تتوقف على ذلك النوع من الحكومة الذى يسميه الفقهاء الخلافة، ولا على أولئك الذين يلقبهم الناس خلفاء. والواقع أيضاً أن صلاح المسلمين فى دنياهم لا يتوقف على شىء من ذلك. فليس بنا من حاجة إلى تلك الخلافة لأمور ديننا ولا لأمور دنيانا، ولو شئنا لقلنا أكثر من ذلك. فإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة على الإسلام وعلى المسلمين وينبوع شر وفساد». ويقول أيضاً: «إن السلاطين قد روجوا لهذا الخطأ الذى ساد بين الناس أن الخلافة مركز دينى ليتخذوا من الدين درعاً تحمى عروشهم وتذود الخارجين عليهم. وما زالوا يروجون له بطرق شتى حتى أفهموا الناس أن طاعة الأئمة من طاعة الله، وعصيانهم من عصيان الله. ولم يكتفوا بذلك بل جعلوا السلطان خليفة الله فى أرضه وظله الممدود على عباده».
ويخلص من ذلك إلى القول بأن «الدين الإسلامى برئ من تلك الخلافة التى يتعارفها المسلمون، وبرئ من كل ما هيأوا حولها من رغبة ورهبة، ومن عزة وقوة. والخلافة ليست فى شىء من الخطط الدينية. كلا، ولا القضاء ولا غيرها من وظائف الحكم ومراكز الدولة، إنما تلك كلها خطط سياسية صدفة لا شأن للدين بها. فهو لم يعرفها ولم ينكرها، ولا أمر بها ولا نهى عنها، وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى إحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة وأن لا شىء فى الدين يمنع المسلمين أن يسابقوا الأمم الأخرى فى علوم الاجتماع والسياسة كلها، وأن يهدموا ذلك النظام العتيق الذى ذلوا به واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد مُلكهم ونظام حكومتهم على أحدث ما أنتجت العقول البشرية، واعتمد ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم».
وإثر صدور الكتاب بهذا التوجه العلمانى أدانته مشيخة الجامع الأزهر بدعوى أن الكتاب يحوى أموراً مخالفة للدين. ومن هذه الأمور:
■ قوله إن الشريعة الإسلامية شريعة روحية محضة ولا علاقة لها بالحكم فى أمور الدنيا.
■ قوله إن مهمة النبى- صلى الله عليه وسلم- كانت بلاغًا للشريعة مجردًا عن الحكم والتنفيذ.
■ إنكاره إجماع الصحابة على أنه لا بد للأمة ممن يقوم بأمرها فى أمور الدين والدنيا.
■ إنكاره أن القضاء وظيفة شرعية.
■ قوله إن خلافة أبى بكر والخلفاء الراشدين من بعده، رضى الله عنه، كانت لا دينية.
وبناء على هذه الأمور صدر القرار من زمرة العلماء بطرد شيخنا من وظيفته ومصادرة كتابه.
نقلا عن المصرى اليوم