كيف تميز المسيحى من المسلم فى الطريق العام؟.. المفترض ألا تشعر بالفرق، الملامح واحدة، الشرود أو اليقظة مشتركان، معاناة ركوب المواصلات العامة، (أتوبيس، ميكروباص، مترو الأنفاق)، معاناة متطابقة: عرق غزير وملل وتأفف وجرى للعثور على مكان فى الزحام.. إذن لن تشعر إلا إذا كنت فى حالة «تربص» بالآخر تبحث عن «علامة مميزة»، مثلا امرأة ترتدى «صليبًا» أو ترسمه وشمًا على يدها أو جسدها، أو رجلًا يتعثر فيردد «باسم الصليب».. تماما كما ترتدى المسلمة «آية الكرسى» أو يهتف المسلم: «السلام عليكم».
(المشهد الأول): «خارجى على مشارف منتصف الليل»، فتاة ثلاثينية تُدعى «نانسى مجدى»، شعرها الطويل المُنسدل على ظهرها، والوشوم التى ملأت جسدها، برسومات مُختلفة على ذراعيها وعنقها، فضلًا عن أقراط الـ«بيرسينج» على أنفها وأذنيها، تركيبة تستفز جماعة «النهى عن المنكر»، التى قررت أن تؤسس دولتها الدينية فى الشوارع والمرافق العامة، وأن تنشر ميليشياتها لتوقيع «الحدود الشرعية» بما تراه مناسبا لمخالفة ما اتفقت عليه «الجماعة» أى جماعة.. وأن ترهب السيدات بإجراء رادع حتى يرتدين «الحجاب أو النقاب»، أو تجبر «المسيحية» على أن تتحنط فى تابوت معتم بمنزلها انتظارا لسقوط «الدولة الدينية»!.
(المشهد الثانى): الزحام يضغط على أعصاب الفتاة التى صعدت إلى «عربة السيدات» بالمترو، والضجيج واحتكاك اللحم الخشن «المغطى بالنقاب» يفرض على ذاكرتها العودة إلى واقعة محاولة ذبح سيدة مسيحية لأنها ترتدى دلاية عنق بها «صليب».. تؤنب نفسها لأنها تركت صديقها بحثا عن مكان آمن وسط «عربة السيدات»، ثم تهمس لنفسها سرا: «أغيثينى يا مريم العذراء».. وقبل أن تتم استغاثتها تقترب منها سيدتان منتقبتان، تشعر بالرعب، تخشى على حقيبتها من السرقة فتضمها، ثم يبدأ الحصار والالتحام جسديا معها بالضغط عليها ودفعها، تسمع كلمات التهديد والتعنيف: (عشان تبقى تسترى نفسك)!.
(المشهد الثالث): يلتف شعر «نانسى» بوحشية على أيادى المنتقبتين، ثم يسقط فجأة على الأرض، لا أحد يستمع لصراخها فى قلب الزحام، وفى أول محطة المنتقبتان تقفزان من المترو لتسقط على الأرض «آلة حادة- كتر cutter».. النساء ينتبهن أخيرا، يتجمعن حول «نانسى»: (قليل من الطبطبة وكثير من التأنيب: «البسى حاجة مقفولة وبلاش التاتو اللى انتى عاملاه ده، بدل ما تستفزى حد)!.
تقرر «نانسى» ألا تذهب إلى الشرطة بعدما اكتشفت رد فعل المجتمع، إنه كالعادة يدين «الضحية» يجلدها ويلتهم لحمها بالنميمة، يتعاطف معها ويلعنها، يردد على «مسبحة المتقين» كل أدلة الإدانة: (من أين جاءت قبل منتصف الليل؟، هل يمتد العمل إلى هذا الوقت المتأخر؟، أهلها معرفوش يربوها، وإيه يا أختى «التاتو» ده كمان؟.. آاااه دى «مسيحية»).
وهكذا سقط حق «نانسى»، وأمثالها ممن يعودون ليلاً من أعمالهم، فى الإحساس بالأمان، سقط كل ما يتشدقون به عن الحرية فى ارتداء «النقاب».. لأنها «حرية من طرف واحد».. تحول الشارع إلى «كابوس مخيف».. و«الديانة» إلى وصمة عار فى بلد لا يخجل من تكفير علمائه الأفاضل وإعلامييه للأقباط.. لكنه يضع «برقع الحياء» فقط حين يخاطب الغرب ويدغدغ مشاعر الرأى العام العالمى بجمل من عينة: (قبول الآخر، وشركاء الوطن، وحقوق المواطنة، ونبذ العنف والتطرف والكراهية).. ثم تغلق نفس «العمائم»، التى تحدثت بلهجة الوسطية، تغلق أبوابها لتعدد أدلتها من القرآن والسنة على أن (الأقباط كفار وأهل ذمة ويجب عليهم أداء الجزية)!!.
(النهاية لاتزال مفتوحة): لا أدرى كم عاما وكم مرة كتبت أن «النقاب» زى يستخدم فى عمليات إرهابية وإجرامية: (منها نقل الأسلحة وتهريب المطلوبين للعدالة، والسرقة، وخطف الأطفال)، ولا كم عالما أكد أنه ليس فرضا ولا سنة وليس مستحبا.. وعلى رأسهم فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور «أحمد الطيب».. ولا كم مرة كتبت عن ضرورة تحقيق «الأمن الاجتماعى» وأشدت بانتشار «الشرطة النسائية» للقضاء على «التحرش» والأولى بها مواجهة مثل هذه الوقائع.. لقد أصبح «حظر النقاب» واجبا على «المؤسسة التشريعية» حتى لا يبتلعنا إرهاب «الأوصياء على الدين» وتحتل «الدولة المدنية» بمنابرها السلفية وعلمائها الرسميين وإعلامها الضاغط بخطاب الكراهية حتى نصل إلى «نفى المسيحيين» من خريطة الوطن.. لن تكون «نانسى» آخر ضحية لـ«إرهاب المنتقبات»، لكنها علقت جرس الإنذار فى عنق الدولة.. علها تستجيب!.
نقلا عن المصري اليوم