لميس الحديدي
انتهت إجازة الصيف أو كادت…. كانت صاخبة هذا العام بالأحداث والحكايات وهذه بعض ملاحظاتي:
طريق الساحل الشمالي يبقي بالنسبة لي لغزا لا أستطيع حله. لسنوات طويلة نصرخ بأن الطريق المؤدي للساحل (وصلة وادي النطرون) أو الطريق الرابط بين القري السياحية هي طرق موت.
وصلة وادي النطرون جرداء مظلمة بلا أي نوع من الخدمات سوى علامة صغيرة وضعت مؤخراً تقول إن الطريق يمكن أن تعبره الجِمال! فعليك أن تكون حريصًا وإلا فاجأتك الجِمال في الطريق المظلم!
أما الطريق الواصل بين القرى فهو بحق طريق لا يصلح أصلا للحركة عليه، ويجب إغلاقه، خاصة بعد الكتل الإسمنتية التي دمرت طبقة الأسفلت من أعمال التعمير في المنطقة.
كيف يمكن لطريق يصل بين قري بمليارات أن يبقي بهذه الحال مظلما متهالكا تتسابق فيه سيارات النقل مع الملاكي في الظلام لينتهي الصيف كل عام بكوارث تحصد أرواح الشباب، وكم من أم فقدت ابنها على هذا الطريق.
ليس فقط حال الطريق ولكن حال قائدي السيارات أيضا، فلماذا لا توجد لجان لتحديد السرعة والكشف عن أحوال قائدي السيارات الملاكي والنقل، فما بين المخدرات والخمور تضيع الأرواح كل عام.
تهتم الدولة بالطرق في كل مكان، وإنشاءات مدينة العلمين يعلو صرحها كل بوم، فلماذا لا نولي هذا الطريق أي اهتمام، أم أننا ننتظر أن يكتمل بناء المدينة كي نحسن من وضع الطريق؟!
الضريبة العقارية التي يسددها أصحاب تلك القرى يمكن أن تكون مصدرًا رئيسيًا لإصلاح الطريق. أما أن نتركه يقتل الشباب كل عام، فتلك جريمة لا يجب السكوت عنها.
بين حفلات "جينيفر لوبيز" و"محمد رمضان" ومغني الراب الشهير "راس" وغيرهم من النجوم كان الساحل الشمالي هذا العام صاخبا: فالإقبال على الحفلات ضخم والانتقادات بنفس الضخامة، وذاك هو التناقض والازدواجية التي لا نعرف لها حلا.
آخر تلك الحفلات كان لمحمد رمضان النجم الذي حباه الله شعبية طاغية مهما انتقده البعض، انزعج كثيرون من حفله الأخير بالساحل الذي ظهر فيه يؤدي حركاتٍ استعراضية بهلوانية طائرا مرة، عاري الصدر مرة أخري وارتفعت الأصوات: كيف نقبل وكيف نسمح وما نوع الفن... إلخ إلخ. والحقيقة أننا لم نسأل أنفسنا عن عشرات الآلاف الذين حضروا الحفل، أو عن مئات الملايين الذين يشاهدون ويستمعون لأغانيه (أظن وصلت المشاهدات لمليار).
هذا النوع من الفن هو إفراز للحالة الفنية الحالية، أغاني المهرجانات مهما حاولنا منعها باقية بل ومنتشرة ليس فقط وسط جماهيرها في الأحياء الشعبية، ولكنها رائجة في الطبقات الراقية وفي الحفلات الكبرى.
المنع لن يوقفها.
ثم لماذا نعترض على رمضان الذي يقدم عرضًا استعراضيًا ويأتي فنان راب عالمي في نفس المكان بالساحل ونعتبر حفله دعاية جيدة للسياحة في مصر!! تماما كما نعترض على ملابس فنانة مصرية ونقبل جينيفر لوبيز بكل ما ترتدي أو لا ترتدي.
المعايير لدينا مزدوجة ومختلطة، المنع وتنصيب أنفسنا وغيرنا أوصياء على قيم الناس وأذواقهم ليس الطريق السليم.
الطريق هو تقديم البديل المقنع للشباب من فن وفكر، فتح الطريق لهم للإبداع وقبول طرق تعبيرهم عن أنفسهم والبحث عما يعجبهم في هذه الفنون: هل هي القوة هل هو التمرد؟ لنضيع وقتنا نضع القواعد، فلا قيمة لها، سيشاهدونه على السوشيال ميديا ويحفظون أغانيه ونحن في وادٍ آخر.
بصراحة لا يزعجني محمد رمضان فهو يعبر عن جمهور واسع- ربما لست أنا منه- ويجتهد في تقديم عرضٍ استعراضي لا أستطيع أن أسمية غناءً بقدر ما هو نوع من أنواع الراب الرائجة عالميا.
تزعجني المعايير المزدوجة، تزعجني قوانين المنح والمنع في زمن لا يفيد فيه ذلك، تزعجني حالة المكارثية الأخلاقية المصابة أصلا بازدواجية. كل ذلك لن يفيد ولن يوقف ذلك المد فنحن لا نعرف عن هؤلاء الشباب شيئا ولا نريد أن نواجه المد بفكر آخر وفن آخر.
فالموجات والصراعات تموت بفعل الزمن أما الفنون الحقيقية فتبقى، وعلينا أن نجتهد لنقدم ما يبقى بدلاً من أن ننهك أنفسنا نعترض على أذواق الآخرين.
بمناسبة الضرائب، كان الحديث الأكثر صخبا في نهاية الصيف يدور حول ما أطلق عليه بضرائب حق استغلال الشواطئ والأنهار. والتي أثارت جدلاً واسعًا وأسئلة لا حصر لها، كالعادة لا تجد إجابة واضحة وما زالت في إطار التكهنات.
فلماذا لجأت الدولة لهذه الضريبة فجأة إن كانت قانونية؟ وهل كان هناك اتفاق مع مطوري القري السياحية منذ أكثر من ٣٠ سنة، أن هناك رسومًا لحق استغلال الشاطئ وبالتالي تضمن في سعر الوحدة؟ وإذا كان ذلك الحق مشروعًا، فلماذا يدفع أصحاب القرى ثمنًا في المتر أعلى منه في الصحراء على الجهة المقابلة مثلا؟ بالتأكيد لأن السعر يتضمن وجود العقار علي البحر.
وهل يعتبر السداد بأثر رجعي قانونيا؟ ثم ماذا عن باقي الشواطئ؟ من الواضح أن الأمر سيمتد لكل الشواطئ المصرية، فهل سيسري ذلك على النوادي في الإسكندرية المطلة علي البحر مثلا؟ وهل سيحمل ذلك على تكلفة العضوية؟ وماذا عن الفنادق؟ لقد بدأت السياحة في تحقيق بعض الانتعاش عقب سنوات من الركود، فهل تتحمل الفنادق مزيدًا من الأعباء في شرم الشيخ والغردقة والقاهرة وغيرها؟
وفي تقدير الضريبة كيف تتساوي القيم بين القرى؟ الضريبة العقارية مثلا تحددها لجان تدرس الموقع والمستوى السكني وخلافه وهي ضريبة مستحقة لا يمكن منازعتها. فكيف نساوي بين قرى صغيرة لا تزيد قيمة الشاليه فيها على ٥٠ ألف جنيه سددت في الأغلب على أقساط طويلة، وبين قرى تقيم عقاراتها بالملايين؟ تلك الاسئلة وغيرها تحتاج إلى إجابة، فليس كل سكان الساحل الشمالي من الأغنياء فالطريق الطويل يضم قرى تابعة لمؤسسات حكومية وهيئات تدريس وقرى صغيرة كثيرة تضم ما نستطيع أن نطلق عليه حقا الطبقة المتوسطة والمتوسطة الدنيا التي تعيش الآن بالكاد. فهل نريد لتلك المنطقة أن تصبح للقادرين فقط؟ أم نريدها مهجورة؟
وأخيرا وسط صخب الصيف وحكاياته، أفتقد صيفنا القديم. كنت أمضيه أنا وأسرتي في المعمورة بين شواطئها وكبائنها وملاهيها، أفتقد روايات إحسان عبدالقدوس التي كنا نقرأها في الصيف، وساندويتشات اللانشون والجبن الرومي التي تعدها لنا والدتي، وقصور الرمال التي كنا نبنيها على الشاطئ.
أفتقد الدراجات التي كنا نستأجرها لنجوب بها المعمورة والمنتزه، وآيس كريم "الكلو كلو" على الشاطئ. حكايات الصيف والحب والسعادة، أحلام المستقبل التي تحقق بعضها وضاع بعضها في الرمال مع موج البحر العالي. ذلك كان صيفنا البسيط جدا، البعيد عن الصخب.. السعيد جدا.
نقلا عن مصراوى