مراد وهبة
فى كتاب «المصريون» يبحث قاسم أمين عن هوية مفقودة، وهى الهوية الإسلامية، ويقارنها بالهوية المسيحية فى أوروبا؛ فالمسيحية، فى رأيه، تقضى على العقل وتدعو إلى العبودية، وهى لذلك عدو الإنسانية. ولهذا فمن الطبيعى أن يكون التقدم الأوروبى مرهوناً بحركة لا دينية، أى بحركة علمانية. والإسلام بعكس المسيحية، يأخذ بالعقل، ويحرر العبد.
ولهذا فمن الطبيعى أن يكون التقدم العربى مرهوناً بدعوة دينية. ومن أجل ذلك فإن قاسم أمين حين يعرض لتقدم الفنون والآداب فى العالم الإسلامى يرده إلى أسباب دينية، وحين يعرض لتأخرها يرده إلى أسباب اجتماعية وسياسية. ومعنى هذا أن العقل العربى هو عقل دينى فى مجال التقدم، ولكنه عقل علمانى فى مجال التخلف. ثم إن قاسم أمين يرفض فكرة الإصلاح الدينى كعلاج للانحلال الحضارى؛ لأن الإسلام لم يتلوث فى أصوله كما تلوثت المسيحية فى العصر الوسيط بسبب عصمة البابا وصكوك الغفران.
فى كتاب «ابن رشد وفلسفته»؛ يتخذ فرح أنطون من ابن رشد منطلقاً للدعوة إلى العقل العلمانى. يتضح ذلك من إهدائه الكتاب إلى عقلاء الشرقيين فى الإسلام والمسيحية. ويقصد أولئك العقلاء فى كل ملة وكل دين فى الشرق الذين عرفوا مضار مزج الدنيا بالدين فى عصر؛ كهذا العصر؛ فصاروا يطلبون وضع أديانهم جانباً فى مكان مقدس محترم ليتمكنوا من الاتحاد اتحاداً حقيقياً ومجاراة تيار التمدن الأوروبى الجديد لمزاحمة أهله وإلا جرفهم جميعاً وجعلهم مسخرين لغيرهم. ومغزى هذا الإهداء أن العلمانية هى علامة التمدن الأوروبى، وهى لا بد من أن تكون علامة تمدن الشرق. وفى رأى فرح أنطون أن فلسفة ابن رشد رمز على العلمانية. ولا أدل على ذلك من أن فريدريك الثانى فى القرن الثالث عشر وقد كان محباً للفلسفة كان كارهاً لرجال الدين لأنهم كانوا يقاومونه فى مشروعاته الاصلاحية. ولهذا كان السند الأكبر لمترجمى فلسفة ابن رشد.
وفى عام 1925 أصدر الشيخ على عبد الرازق كتاباً عنوانه « الاسلام وأصول الحكم» أنكر فيه الخلافة متأثراً فى ذلك بنظرية العقد الاجتماعى عند جون لوك. يقول فى شأن حديثه عن الخلافة للمسلمين فى ذلك مذهبين: المذهب الأول أن الخليفة يستمد سلطانه من سلطان الله ولذلك نجد روحه سارية بين عامة العلماء وعامة المسلمين أيضاً. وكل مباحثهم عن الخلافة تنحو ذلك النحو، وتشير إلى هذه العقيدة. كذلك شاع هذا الرأى وتحدث به العلماء والشعراء منذ القرون الأولى فتراهم يذهبون دائماً إلى أن الله جل شأنه هو الذى يختار الخليفة. وجملة القول أن استمداد الخليفة لسلطانه من الله مذهب فاش بين المسلمين. وهناك مذهب آخر قد نزع إليه بعض العلماء وتحدثوا به وهو أن الخليفة إنما يستمد سلطانه من الأمة. ثم يستطرد قائلاً: مثل هذا الخلاف بين المسلمين فى مصدر سلطان الخليفة قد ظهر بين الأوروبيين، وكان له أثر كبير فى تطور التاريخ الأوروبى. ويكاد المذهب الأول يكون موافقاً لما اشتهر به الفيلسوف هوبز من أن سلطان الملوك مقدس وحقهم سماوى. وأما المذهب الثانى، فيشبه أن يكون نفس المذهب الذى اشتهر به الفيلسوف لوك.
نقلا عن المصرى اليوم