عادل نعمان
العدل فى معناه المركب هو «الحق أو القانون»، وفى معناه البسيط «رفع الظلم عن المظلومين». والتعامل فى الشهر العقارى ليس حقاً وليس قانوناً وليس خيراً، فمن حق المواطن الحصول على الخدمة دون امتهان أو غبن، وغير ذلك مخالف للعدل وللقانون أيضاً، وهو ظلم فوق ظلم، ومعاناة ومشقة وضيق صدر. ولما نقول: يا مغيث أغثنا فى مصائبنا، فنحن نلجأ إلى وزارة العدل للغوث ورد الحقوق وتنفيذ القانون، ورفع المظالم عن أصحابها، إلا أننا فى هذه الشكوى، نستجير منهم ولهم، ونرفع الشكاية منهم إليهم، ونقف على الأعتاب فلا أنصفنا عادل، ولا خرجنا من يد ظالم. ولو قلنا إن معاناة الناس تزيد وتتضخم عند كبار السن من الرجال والنساء، فيكون أيضاً من الظلم أن تقع المعاناة على الشباب، فهو تضييع لوقتهم وجهدهم فيما لا طائل منه، وكان أولى وأنفع لهم وللدولة أن يضعوا وقتهم وجهدهم هذا فى مكانه، فينفعوا أنفسهم والمجتمع. فهل نجد نحن الرعية مسئولاً يرحمنا من هذه المعاناة؟ أو يرأف بحالنا من هذا العذاب؟ أو يستقبل أحدهم شكوانا ويرق لحالنا؟ هل جرّب أحد المسئولين رحلة الشقاء فى هذا الشهر من أولها لآخرها؟ وهل علم أنها إهدار لمال الناس وأعصابهم وجهدهم ووقتهم، وهو فى النهاية إهدار للمال العام؟ أليس هناك نظام جديد للتسجيل والتوثيق والإثبات والإقرار يحفظ وقتنا وأعصابنا وجهدنا؟ وهل حاول أحد المسئولين الأفاضل الوقوف بنفسه لمعرفة مواطن الضعف فى سلسلة الإجراءات، أو اختصارها أو تأمينها؟ أو وقف أحدهم على أبواب هذا الشهر وعرف كيف يدير سماسرة الشهر العقارى فى البعض منها المنظومة كاملة من الخارج؟ وهل نضمن سلامة الإجراءات وحفظ أموال الناس وممتلكاتهم بعيداً عن الفساد والتلاعب؟ وهل درس مسئول وناقش العاملين فى الشهر العقارى مشاكلهم وطلباتهم واحتياجاتهم ليقف على مواطن الخلل والضعف؟ وهل اهتم أحد المسئولين بزيادة أعداد العاملين المدربين الأكفاء بالمكاتب لمواجهة الزيادة العالية فى أعداد المترددين لإنهاء مصالحهم بديلاً عن هذه العمالة المكدسة التى لا فائدة مرجوة منها؟ وهل فكر مسئول فى رفع كفاءة هؤلاء العاملين وتدريبهم، أو حتى رفع كفاءة وأداء الإنترنت بدلاً من نغمة «السيستم واقع»؟
رحلة وجع ومشقة ومكابدة تبدأ من اللحظة الأولى للوصول، سواء من طول الإجراءات، أو عدم وجود أماكن آدمية للانتظار، وسوء المعاملة من بعض الموظفين الذين يحسبون أنفسهم فوق مستوى البشر، وهى آفة ليس لنا فيها من سبيل سوى الدعاء أن يرفع الله الناس لمقامهم. هذا فى الكثير وليس فى القليل، مع سوء ورداءة خط البعض منهم إذا اضطر يوماً إلى كتابة النموذج بخط يده لسوء أحوال الإنترنت، وهو أمر دائم وثابت يومياً، وأقسم أننى يوماً قد رأيت توكيلاً لبيع سيارة صادراً من أحد المكاتب، لم أستطع حل رموزه، واستطاع موظف الشهر العقارى فكها وحل طلاسمها، بالضبط كما يستطيع الصيدلى فك طلاسم روشتات الأطباء.
لا أعلم متى يمن الله علينا بالراحة فى إنهاء معاملاتنا فى أجهزة وأروقة المصالح الحكومية كلها على بعضها، وأين نجد راحتنا، ومتى ينعم علينا السادة المسئولون بحل مشاكلنا، وليس الأمر صعباً إذا راجع المسئولون أمور إداراتهم أولاً بأول، وحاولوا الإصلاح درجة تتلوها درجة، إلا أنهم قد تركونا وحال سبيلنا يشكو ويئن، وكأنه قدر وسوء مصير.
وحتى لا يلومنى أحد أننى أتقدم بالمشكلة دون مقترح للحل، على الرغم من أن هذا ليس محلاً للوم والعتاب، فنحن نلقى الضوء على المشكلة وعلى المسئولين البحث والتقصى عن الحلول المناسبة، فربما يحتاج الأمر إلى سماع أكثر من وجهة نظر، وكذلك رأى المتخصصين، إلا أن الأمر لا يحتاج لأكثر من مناقشة العاملين بالشهر العقارى والمترددين عليه، وسيجتمع فى يد المسئول آلاف المقترحات يستبعد منها ما يستبعد، وينفذ منها ما يقدر عليه على فترات زمنية محددة، ننهى بها معاناة الناس فى مدة معقولة، فليس هناك مانع فى استئجار مكاتب جديدة فى أماكن متفرقة بمواصفات محددة تعلنها الوزارة تضمن بها صالات انتظار مريحة وآدمية، دون تكلفة صيانة تتكبدها، بأن يضمن المؤجر سلامة وكفاءة المبنى بمشتملاته مدة الإيجار، ونضمن بذلك صيانة المبنى دائماً، وليس معضلة على الوزارة سد العجز البشرى من الموثقين والفنيين فى المكاتب المختلفة، وخريجو كليات الحقوق ما أكثرهم فى بلادى، وليس عيباً رفع كفاءة العاملين الحاليين وتدريبهم تدريباً جيداً، وكذلك محاولة اختصار الإجراءات. ولو فكرنا فى إنشاء مكاتب تؤدى خدمة مسائية برسوم معقولة فقد رفعنا العبء والجهد عن العاملين نهاراً، ولا مانع عند الكثير من تقديم نفس الخدمة المتميزة فى المكاتب توفيراً لجهد البعض وسرعة إنهاء مصالحهم، المقترحات كثيرة لدى الناس ويبقى حسن النوايا هو الفاصل فى الأمر.
ما رأيته بنفسى فى مكتب الشهر العقارى فى نادى السادس من أكتوبر أمر فوق الاحتمال، وللحق ليس العيب من العاملين فيه، فهم يبذلون قصارى جهدهم فى إنهاء مصالح الناس بثقة وأدب، إلا أن أعداد الموثقين قليلة، وكفاءة الأداء عند البعض متدنية، وذلك عائق كبير أمام حسن نوايا الإدارة فيه، ارحموا الناس وارحموا أيضاً العاملين فى الشهر العقارى.
نقلا عن الوطن