الأنبا إرميا
تحدثنا بمقالة سابقة عن «البابا أبرآم بن زَرعة» الثانى والستين فى بطاركة الإسكندرية، ومن بعده «البابا فِيلُوثاؤس»، الثالث والستين.
أمّا حكم «الدولة العباسية»، فإنه ـ كما ذكرنا سابقًا ـ عام ٣٨١هـ (٩٩٢م)، ثار الجند فى «العراق» بسبب قلة الأموال واضطربت أمورها؛ فخلع «بهاء الدولة» الخليفة «الطائع» وصادر أمواله وتولى من بعده ابن عمه «أبو العباس أحمد القادر بالله».
الخليفة «القادر بالله» (381-٤٢٢هـ) (٩٧٤-1031م)
هو «أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر»، ولُقب بـ«القادر بالله». تولى الخلافة بعد خلع «الطائع». خلع عليه المؤرخون صفات حسَنة منها الحِلم الشديد والبر ومحبة التصدق، إلى جانب تدينه ومحبته للعلم والعلماء.
حكم الدولة العباسية قرابة 41 عامًا وثلاثة أشهر وبضعة أيام، إلا أن عهده الطويل قد اتسم بظهور دويلات؛ فيذكر لنا الأستاذ المؤرخ «حسن خليفة»: «... وفى عهده الطويل («القادر بالله»)، ظهرت دويلات كثيرة فى أنحاء «الدولة العباسية» فى المشرق والمغرب، وحلت محل دويلات أخرى...»؛ ومن أمثالها: ظهور «الدولة النجاحية» التى حلت محل «الدولة الزيادية»، والتى قامت على يد «المؤيد نجاح» أولاً فى «تُِهامة» اليمن عام 412هـ (1022م)، ثم كان أن اتسعت دائرة حكمه على المِنطَقة من حوله حتى عام ٥٥٤هـ (1150م)، حتى انتقلت إلى «الدولة المهدية».
كذٰلك قامت ثلاث دُول: دولة فى «ديار رَبيعة» عاصمتها «المَوصل» ومؤسسها «حسام الدولة المُقَلَّد بن المُسَيَّب»، والثانية فى «ديار بكر» وعاصمتها «آمِد» وأسسها «أبو علىّ الحسن بن مروان»، والثالثة فى «مِصر» وعاصمتها «الرَّقة» ومؤسسها هو «بَكْجُور» والى «دمشق» من قِبل «العزيز بالله الفاطمىّ»، ولما عُزل عن «مِصر» جاء إلى «الرَّقة» وملَكها ثم قُتل وعادت إلى الفاطميِّين.
الدولة الغَِزْنَوية
قامت تلك الدولة بمدينة «غَِزْنة» فى «خُراسان» من جهة بلاد «الهند»، على يد القائد التركىّ «إسحاق بن أَلِبْتِكِين»، لٰكن مؤسسها الحقيقىّ كان خليفته «سَُبَُكْتَِكِين»؛ وقد ذكر عنه «ابن الأثير»: «لم يخلف «أبو إسحاق بن أَلِبْتِكِين» صاحب جيش «غَِزنة» للسامانية بعد وفاته من أهله وأقربائه من يصلح للتقدم؛ فاجتمع عسكره ونظروا فيمن يلى (يتولى) أمرهم ويجمع كلمتهم، فاختلفوا ثم اتفقوا على «سَُبَُكْتَِكِين» لِما عرَفوه من عقله ودينه ومروءته... وأحسن السيرة فيهم، وساس أمورهم سياسة حسَنة، وجعل نفسه كأحدهم فى الحال والمآل».
قوِى أمر «سَُبَُكْتَِكِين»، واستولى على بلاد «الهند» بعد انتصاره على ملكها؛ وسمِع الخليفة «القادر بالله» بأموره فأرسل إليه الهدايا، ولقّبه بـ«ناصر الدولة»، وأصبح هو الحاكم الرسمىّ للبلاد التى تحت سلطانه؛ فأسس «الدولة الغَِزنَوية» وحكمها قُرابة عشرين عامًا؛ ثم خلفه أولاً ابنه «إسماعيل» سبعة أشهر حتى اشتعلت الحرب بينه وبين أخيه الأكبر «محمود» الذى استولى على الحكم واعترف الخليفة «القادر بالله» بملكه وأطلق عليه لقب «يمين الدولة وأمين المِلة»، والذى فى أيام حكمه وصلت «الدولة السَُبَُكْتَِكِينية» إلى أوج مجدها، وقضى على «الدولة السامانية» فى «خُراسان»، وأرسل قبيلة من الأتراك يرأسها زعيمها «سُِلْچُوق» إلى بلاد «خُراسان» فاستوطن بها وزاد نفوذه فيها حتى استقل السُِّلچُوقيون بها. وظل حكم «السَُبَُكْتَِكِينيِّين» فى بلاد الأفغان وما حولها حتى عام ٥٨٢هـ (1187م)، حتى ملَك آخِر ملوكهم وكان «تاج الدولة خُسْرُو».
تُوفى «القادر بالله» عام ٤٢٢هـ (1031م)؛ ويُذكر أن فى حكمه قد نال نفوذ «آل بُوَيْه» الضعف بعد أن شاعت بينهم الصراعات وحلت الانقسامات؛ فتمكن من استعادة بعض من نفوذه وسلطاته التى قد فقدها من قبل؛ أمّا عن «مِصر» فى أثناء حكمه، فقد عاصر حكم «العزيز بالله» ومن بعده ابنه منصور الملقب بـ«الحاكم بأمر الله»، و... والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم