بقلم: فرانسوا باسيلي
قال لي: أنت متحامل على الإخوان. قلت له: تريدني أن أرحِّب بجماعة تقول علنًا أن المصري المسيحي ليس من حقه أن يصبح رئيس جمهورية في بلده التي وُلد فيها؟؟ جماعة تحرمني من حقي في أن أحكم بلدي التي استشهد أجدادي دفاعًا عن ترابها، وتقول لي أنا متحامل عليهم؟ عجبت لك يا زمن.

أصبح خطاب التيار الديني من إخوان وسلفيين مطابقًا تمامًا لخطاب المجلس العسكري فيما يخص مظاهرات الثوار؛ فقد اتفقوا على اقتسام الكعكة فتوحَّد خطابهم، وهذا ما رصدته تاريخيًا: حين تتأمل التاريخين الحديث والقديم لهذه المنطقة العربية ستجد أن شعوبها قد اُبتليت دائمًا بتلك العلاقة الحميمة أحيانًا الدموية أحيانًا أخرى بين الطغاة والدعاة، حيث يتنازع أو يتعاون الاثنان على التسلط والتسيد على الشعوب المطحونة، ويتنافس الطغاة والدعاة على الاستحواذ على عقول العامة وقلوبهم وأجسادهم لتسخيرها لصالحهم باسم القبيلة أو الطائفة أو العقيدة أو الله أو النظام أو باسم خليط من هذه كلها.
 

حزب "الحرية والعدالة" يبدأ برنامجه الانتخابي بآيات قرأنية وينهيه بها ويدخلها في أماكن أخرى في برنامجهم، فهو حزب ديني أقامته جماعة دينية، وهذا ضد القانون المصري نفسه، فالحزب مخالف للقانون بمجرد وجوده، وهذه فضيحة بكل المقاييس.. لا أحد يعترض على انتخابات نزيهة، ولكن هذه انتخابات مشوَّهة حتى قبل أن تبدأ بقبول مثل هذه الأحزاب الدينية، ثم بالدعاية الدينية الفجة التي أعطتها أكثر بكثير مما تستحق في مجلس الشعب.

مطلوب من الإسلاميين شيئان فقط: ألا يُقحموا الدين في كل شيء في المجال العام، وخاصة في السياسة، ثم لا يحاولوا إجبار غيرهم على الإيمان بما يؤمنون به أو التصرف بما يعتقدون أنه السلوك الحلال وغيره حرام.. من حقك أن تعتقد ما تشاء ولكن ليس من حقك أن تحوِّل هذا إلى قانون أو أمر إلهي تفرضه على الغير بالقوة، إذا أرادوا الغناء فلا تستمع يا أخي ولكن لا تحجر عليهم، الحريات الإنسانية هي أساس الديمقراطية.

في اعتقادي أنه لولا كل المخالفات وخلط الدين بالسياسة لحصل التيار الإسلامي كله- إخوان مع سلفيين- على 40 % فقط، والمفروض التحقيق النزيه في كل المخالفات وشطب المرشحين المنتفعين بها. ولكن هذا لن يحدث، والنتيجة أن مجلس الشعب القادم ليس ممثل الشعب ولكن هو ممثل زور.

قال لي: حضرتك تريد إقصاء الآخر لأنه استخدم آيات قرآنية في برنامجه "حزب الحرية والعدالة"، لكن لو كان كتب مبادئ "كارل ماركس" أو أقوال "جيفارا" أو مقاطع من الدستور الأمريكي كنت تقبله؟

 

فقلت له: أرجو تقدير الفرق بين استخدام أي فكر ماركسي أو ليبرالي وبين استخدام فكر ديني. أنت تستطيع أن تجادلني وتقول لي أن فكر "ماركس" خطأ أو هراء، بينما أنا لا أستطيع أن أقول هذا على آية من القرآن أو الإنجيل تستخدمها لترويج نفسك أو حزبك. كيف تتجاهل هذا الفرق الجوهري؟ لذلك قامت الديمقراطيات في كل الدول بعدم السماح بإقحام الدين في السياسة، فمن فعلوا هذا في "مصر" قد مارسوا الإتجار بالدين وليس الديمقراطية.

قال: لماذا تعترض على استخدام الدين في الانتخابات؟؟.. استخدام الآيات شئ معتادين عليه، فالصيدلي القبطي يكتب "أنا هو الرب شافيك"، وبياع عصير القصب المسلم يكتب "وسقاهم ربهم شرابًا طهورًا". الإحتجاج بذلك في الانتخابات لا يضمن نجاحًا. من المفيد أن ننادي بحظر الآيات لأغراض تجاريه أو سياسية. ولكن أن نعزوا النجاح لاستخدام الآيات هو من باب حجة البليد.

فقلت له: العمل التجاري شيء فردي يحدده صاحب العمل، أما العمل السياسي فهو شيء عام يخص الوطن وكافة المواطنين، تحدِّده قوانين وقواعد، فلا يجب استخدام الشعارات الدينية، خاصة ولديك مواطنون من أديان مختلفة، كل هذه القضايا حُسمت من زمن طويل في الديمقراطيات الراسخة، ولذلك نص القانون المصري المسترشد بالقوانين العالمية على تجريم استخدام الدين كقاعدة للحزب أو للدعاية الانتخابية، فلا معنى لمحاولة تبرير الخروج على القانون وعلى الأصول الديمقراطية في العالم الذي تعلمنا منه واستوردنا منه الديمقراطية.
الديمقراطية، وليس الدينوقراطية، هي الحل..