أمينة خيري
خاصمت التلفزيون، وابتعدت عنه بضعة أشهر. كنت أعتمد على الشبكة العنكبوتية لأصنع وجباتي الخبرية متنوعة المصادر ومختلفة النكهات.
ابتعادي كان نابعاً من قرار بتقليص احتمالات حرق الدم، وتقزيم هوامش التعرض لما من شأنه أن يزيد من غضبي المتصاعد لأسباب عدة.
وصباح اليوم، خرقت الحظر، وأدرت التلفزيون على إحدى قنواتنا العزيزة اللطيفة، فوجدت برنامجاً دينيًا يقدمه شيخ فاضل، يتم الترويج له باعتباره من المشايخ المنفتحين والعلماء المتنورين والقلائل الموثوق بتناولهم دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الديني بحرص وتعقل.
موضوع الحلقة كان عن الصلاة وأهميتها. مرت الدقائق طويلة ثقيلة وشيخنا الفاضل يتحدث عن أهمية الصلاة.
بداية القصيدة دارت في دوائر قِوامها همّ وكربٌ وحزنٌ وأسًى وقهر وصوت الرجل يتعالى دراميًا ليتناسب وفداحة ما يتحدث عنه. "كيف لك أن تواجه الفقر؟ كيف لك أن تتحمل مصاريف العيال؟ كيف لمثلك أن يعيش وسط هذا الكم من الديون؟ كيف تستطيع أن تنجو من هذه المشاكل الصحية... إلخ"؟ وتأتي الإجابة بالصلاة والخشوع فيها، وهذا سيمنحك الصبر وقوة التحمل.
كان لدي يقين بأن الشيخ الجليل سينتقل من الجانب الروحاني لمواجهة كوارث الحياة ومصاعبها وأزماتها إلى الجانب العملي. فبعد الصلاة التي ستعيننا على المواجهة، وتدعمنا للتفكير المنطقي، وتدفعنا للتصرف الصحيح، سيأتي حتماً دورنا على ظهر هذا الكوكب.
فإن كنا فقراء، فعلينا البحث عن مورد رزق حلال يساعدنا على حياة أفضل.
وإن كنا مرضى، فعلينا اللجوء لسبل العلاج الحديثة لنشفى ونصح.
وإن كنا مدينين فعلينا أن نسد ديوننا بمضاعفة العمل.
وإن كنا مهمومين، حيث قدرتنا في الإنفاق على أبنائنا الثلاثة محدودة، فعلينا التوقف فوراً عن المزيد من الإنجاب.
وإن كنا مقبلين على حياة زوجية جديدة، وتنتابنا مخاوف على مستقبل الأسرة في ظروف اقتصادية صعبة، فعلينا اتخاذ قرارات جادة بالاكتفاء بطفل أو طفلين، والبعد عن السفه في الإنفاق على الزفاف وتجهيز الشقة وعمل قوائم الأثاث وشراء الشبكة وغيرها.
وإن كان ضميرنا يؤنبنا ويمنعنا من النوم، فعلينا التفكير فيما نفعله، فربما نقصر في عملنا، وربما نتحرش بالنساء، وربما نتدخل في أمور غيرنا، وربما نتفرغ لإطلاق الأحكام على من حولنا، وربما نقصر في تربية صغارنا، وربما بأصول التربية على العيب والصح، الحرام والحلال فقط، وربما فرطنا في نظافتنا الشخصية، فصدرت عنا روائح مخزية، وربما استعضنا عن جوهر الدين بمظهره، فساءت أحوالنا، وتدهورت أخلاقنا، وتقهقرت بلادنا.
المهم أن شيخنا الجليل لم يذكر أيًا مما سبق! بل أفرط في أهمية التركيز في الركوع والخشوع في السجود، ودق على أوتار النار التي ستلتهم كل من سها عن صلاته. وأمعن في التأكيد على أن تارك الصلاة في مكان إبليس. هل ترضى أن تكون إبليس؟
وبالطبع فإن صدمتي من عدم تطرق الشيخ الفاضل لأي من مكملات الصلاة من عمل أو سلوك أو أخلاق أو نظافة أو حلول منطقية عملية للمشكلات الحياتية- ستدفع البعض لتصويب سهام الاتهام بالتقليل من شأن الصلاة، والتهوين من ركن من أركان الدين إلى آخر قائمة المغالطات الشعبوية المرتدية العباءات الدينية والتي أدخلتنا حارة سدًا منذ أواخر السبعينيات.
هذه الحارة السد التي جعلتنا "شعباً متديناً بالفطرة" لكنه مصنف على قمة الشعوب المتحرشة، والشوارع الفوضوية، والنظافة التي تتحدث عن نفسها في تلال على أبواب المباني ومناور العمارات ونواصي الشوارع، وأصحاب الأرقام القياسية في عدد دقائق العمل.
وهي الحارة نفسها التي يصر البعض من رجال الدين على إبقائنا فيها؛ ربما إمعاناً في دغدغة مشاعر القاعدة الشعبية أو ترجيحاً لكفة التدين المظهري أو لأسباب لا أريد أن أفكر بها.
ملحوظة: البعض من الأصدقاء يدافعون عن الشيخ المذكور بأنه أحيانًا يتحدث عن أهمية العمل، لكن الوضع المتردي الذي وصلنا إليها يحتّم أن يُذكر العمل ملاصقاً لذكر الصلاة في كل مرة.
نقلا عن مصراوى