اللجوء للهدم
سليمان شفيق
تزامنا مع الأحداث الخاصة بمحاولة النزع والسيطرة على مدرستي مدني وامدرمان التابعتين للكنيسة الإنجيلية، وقعت محاولات مشابهة للسيطرة على كنائس أخري في مناطق مختلفة في العاصمة الخرطوم، الأمر الذي قاد لاعتقاد جازم وسط المواطنين المسيحيين بأن الأمر يعد استهدافا ممنهجا لكافة الكنائس الموجودة بالبلاد.
فبعد شهر من أحداث مدرسة أمدرمان الإنجيلية وتحديداً في السابع من مايو 2017 قام مندوبون عن وزارة التخطيط بولاية الخرطوم برفقة قوة كبيرة من الشرطة ومنسوبي جهاز الأمن والمخابرات بتهديم كنيسة المسيح في سوبا بمنطقة شرق النيل بالخرطوم التي تم بناؤها منذ العام 1989م، وحينما حضر أتباع الكنيسة بالمنطقة والذين يقدر عددهم بحوالي 600 شخص لأداء الصلاة فيها وجدوها قد سويت بالأرض، ورغم ذلك فقد أصروا على أداء الصلاة وسط أنقاضها المحطمة.
ويقول أحد المصلين ويدعى إدريس مختار وهو في العقد الرابع من عمره بأنهم حينما حضروا للصلاة صدموا بتهديم كنيستهم، ونظراً لعدم وجود مكان أخر فإنهم يؤدون صلواتهم في العراء. أما صموئيل عبد المسيح الذي ابدى استغرابه من سبب إصرار الحكومة على هدم كنائسهم، قائلا:”ربما يظنون أن البلاد لم يعد فيها مسيحيين بعد إنفصال جنوب السودان في يوليو 2011م .. لكن عليهم أن يعلموا أننا موجودين و كغيرنا من المواطنين السودانيين يحق لنا ممارسة شعائرنا الدينية”.
إزالة جماعية
وتبرر الحجج الرسمية حملة إزالة الكنائس انها شيدت بشكل عشوائي في أطراف العاصمة السودانية الخرطوم حيث يستقر عدد كبير من المسيحيين النازحين من الحرب الأهلية من مناطق جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق.ورغم تشييد تلك الكنائس بشكل بدائي إلا أنها استمرت في القيام بواجباتها الدينية، إلا أن خطر الإزالات بات يتنامى بشكل متزايد منذ اعلان استقلال جنوب السودان في العام 2011.
ويقول محامي كنيسة المسيح السودانية ديماس جيمس إن الكنيسة تسلمت انذارا بازالة كنيستين تتبعان للطائفة في منطقة شرق النيل في العام 2016م، مشيراً إلى تقدمهم بتظلم لمدير عام مصلحة الأراضي بولاية الخرطوم لهذا القرار الذي حمل الرقم 214 وطالبوا مدهم بصورة من القرار وأسبابه والمطالبة بإيقافها وتم رفض التظلم وجميع المطالب المرفقة معه، مبيناً أنهم تقدموا بعدها بطعن للمحكمة الإدارية ومن ثم للمحكمة العليا باعتباره مخالف للمادة 6 من دستور البلاد الذي يمنح الجامع والكنيسة الحق في حيازة الأراضي وفقاً للقانون لكن المحكمتين رفضتا الاستجابة لطلب وقف الإزالة.
ويكشف جيمس ان القرار 214 الذي أصدره معتمد شرق النيل يتضمن 25 كنيسة في كل من بحري وشرق النيل التابعتين لولاية الخرطوم، مضيفا ” أن ما زاد دهشتنا أن القرار الذي تحصلنا على صورة منه يسمى (إزالة الكنائس في منطقة بحري وشرق النيل) بشكل صريح !!”. وتظهر إحصائيات اعدتها جهات كنسية بمنطقة سوبا أن عدد الكنائس بمنطقة سوبا في العام 2011م بلغ 13 كنيسة أما اليوم فقد اقتصرت على كنيسة واحدة وتم مسح جميع الكنائس الأخرى ولم يتبق منها سوى كنيسة المسيح بسوبا كأخر الكنائس الموجودة بالمنطقة.
ويشير جيمس إلي أن الحجة الرسمية بعشوائية بناء الكنائس وتعديها على بعض الميادين العامة التي اعتمد عليها القرار 214 أمر مردود، إذ يجب ان يتم معالجة ذلك قانونا باعتبارها أراض حيازة كما يحدث للمساجد وبذلك يتم تخطيطها وليس إزالتها.
ويضيف جيمس أن بعض الكنائس التي أمرت السلطات بإزالتها مخططة وتم تصديقها بشهادات ملكية رسمية (شهادات بحث) مثل كنيسة جبل أولياء التي تمت إزالتها رغم كونها مخططة. وكشف جيمس في حديث لـ (عاين) عن قيام قوة من جهاز الأمن والمخابرات في مارس 2016م بمصادرة حقيبة تحتوي على مستندات 15 قطعة تخص الطائفة اشترتها بمالها الخاص، واصفاً تلك المصادرة بـ”التعسفية” وتمت دون إجراءات قانونية أو أوامر قضائية.
خطة المحو
وتقدّر احصائيات غير رسمية عدد المسيحيين في السودان بعد انفصال الجنوب بنحو 1.4 مليون نسمة، أي ما يعادل 1.5 في المائة من عدد سكان السودان .
وكان مجلس الكنائس السوداني كشف عن قرار أصدرته السلطات بولاية الخرطوم يؤكد اعتزامها ازالة 27 كنيسة بالعاصمة السودان . لا سيما أن السودان يحتل المركز الثامن في قائمة أكثر الدول اضطهادا للمسيحيين في العالم للعام 2016 في التصنيف الذي أصدره المركز الدولي لحرية الأديان فيما صنفته منظمة الأبواب المفتوحة التي تعني بذات الأمر في المرتبة الخامسة في قائمة الدول التي تضطهد المسيحيين.
وقامت السلطات السودانية بالتعدي على عدد كبير من ممتلكات الكنائس اضافة لممارسات قمعية كثيرة ضدهم خلال السنوات الماضية منها مصادرة ممتلكاتهم ، وسجن قادة الكنيسة، و إجبارهم على الفرار، ومصادرة وتدمير ممتلكات الكنائس
وألغت وزارة التربية بولاية الخرطوم أجازة يوم الأحد بالنسبة للمدارس الكنسية و أرغمتها على الإجازة الأسبوعية يومي الجمعة والسبت
وتضع الولايات المتحدة الامريكية السودان ضمن الدول التي تضطهد المسيحيين، وتضع إدارة الرئيس دونالد ترامب ضمان الحريات الدينية في السودان ضمن شروطها لتطبيع العلاقات مع الخرطوم، ورفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب
وكشفت تقارير عن تنظيم الاجهزة الامنية حملة منظمة لنهب ممتلكات المسيحيين في الخرطوم وعدد من الولايات. وتقول التقارير إن المسيحيين تعرضوا لأشكال مختلفة من الترهيب من أجل مغادرة البلاد مثل الفتاوى بإحراق الكنائس ومعارض الكتاب المسيحي وغيرها من الفعاليات،التي تلقي رسائل تهديد بالقتل كما تجدر الاشارة إلى تعرض اثنين من القساوسة للاختطاف في ولاية النيل الأبيض قبل عدة سنوات.وتقدّر احصائيات غير رسمية عدد المسيحيين في السودان بعد انفصال الجنوب بنحو 1.4 مليون نسمة، أي ما يعادل 1.5 في المائة من عدد سكان السودان
ومن جانبه يؤكد القس يحي عبدالرحيم وجود خطة حكومية محكمة بغرض تجريف السودان من المعالم الكنسية. “نحن نعيش في ظل ظروف إستثنائية ولكن سنستمر وسنعيش في ظل هذه الظروف ولن نخرج من بلادنا وسنستمر في المقاومة بالقانون وكانت مصادر كشفت عن معلومات بتشكيل الحركة الإسلامية -التي ينتمي إليها جزء كبير من عضوية الحزب الحاكم والنافذين في البلاد- لجنة خاصة تضم ممثلين عن مصلحة الأراضي والشرطة وجهاز الأمن والمخابرات واللجان الشعبية بالأحياء بغرض حصر الكنائس في ولاية الخرطوم وتصنيفها
لكن عضو الحركة الاسلامية محمود عبد الجليل نفي ل (عاين) صحة تلك المعلومات مؤكدا ان الحركة الاسلامية تحترم كافة المعتقدات والاديان بالسودان، مشيرا الي عدم وجود مثل تلك الخطط .