بقلم : كمال زاخر
التعريب قضية مركبة فرضتها معطيات سياسية تاريخية كانت ذروتها في القرن العاشر الميلادي، حين ترسخت اركان الحكم العربي ولم تعد الجزية وقتها واحدة من مصادر التمويل السيادية، وادرك حكام ذاك الزمان ان اللغة وعاء الفكر فكان قرارهم فرض اللغة العربية ومنع اللسان القبطي قسراً، وهو ما لم تدركه الكنيسة آنذاك، وتتعدد الضغوط وتعتمد الكنيسة اللغة العربية تترجم اليها لغة صلاتها وممارساتها، ولم تترجم اليها تراثها الفكري، لاسباب عديدة لعل اهمها انها لم تكن قد استوعت اللغة الجديدة بعد بالقدر الذي يسمح لها بالنقل اليها، لتشهد الكنيسة اضمحلالاً متتالياً امتد من اللغة الي الوجود القبطي، إلا قليلاً. وتبدأ الإنقطاعات المعرفية مع الجذور وتدخل فيما تبقي منها في نفق طويل يزداد ضيقاً، حتي مشارف القرن ١٩، ولهذا قصة اخري رصدت جانبا منها في كتابي "الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد؟ - 2019".
التعريب يتعلق بأمرين الأول التراث الآبائي المصري اليوناني القبطى، والثاني التراكم المعرفي اللاهوتي الذي حدث في الكنائس التقليدية المشتركة معنا في العقيدة والإيمان والتقليدية التي تقف علي الضفة المقابلة من خلقيدونية.
التعريب صار ضرورياً لوصل ما انقطع وادراك ما فاتنا من تراكم معرفي تمهيدا لحوار مسكوني جاد لرأب صدع يزداد عمقاً يفعل جفوة البعد. وقد صار متاحا.
مع تقدم علوم الترجمة، ووجود كوادر مؤهلة علمياً سواء في أديرتنا العريقة او معاهدنا اللاهوتية.
التعريب آلية وليست هدفاً، وتخوفات الذوبان لا محل لها بفعل الثورة الرقمية، وبفعل مساحات الوعي الآخذة في الاتساع، بعيداً عن صخب المراحل الانتقالية المفصلية.
ومن المبشر ان العديد من الدراسات في هذا السياق تشير الي أن قدر من اختلافات عصر الإنشقاق مرده اختلاف في فهم المصطلحات بين اللاتينية واليونانية، وبعضها صراع اثني وسياسي، الأمر الذي يمكن استيعابه وتصويبه، عبر حوارات موضوعية مسكونية.
ومن الطبيعي أن يقابل بمقاومة وارتياب وتشكيك وتخوفات مشروعة وطبيعية، لكنها ستزول بفعل ضبط القواعد التي تقوم عليها جهود التقارب المسكونى.
ويأتي اعتماد معهد الدراسات القبطية لدراسة التراث العربي المسيحي علي ارضية اكاديمية، في خطوة تأخرت كثيراً، رد الأمر الي نصابه بعيداً عن معارك تعتقد بهشاشة الهوية المصرية، ولا تدرك ان هذا التراث مرحلة لا يمكن انكارها في تشكيل الذهنية المسيحية في المنطقة تتجاوز القبطية وتضم الكنائس السريانية والانطاكية والأشورية في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين.