الأب رفيق جريش
لا شك أن فيلم «الممر» بإمكاناته والإمكانيات التى وضعت تحت تصرف منتجيه- يمثل نقطة فارقة فى أفلام المعارك والحروب فى السينما المصرية؛ فقد طالبنا مراراً وتكراراً أن تنتج سينماتنا أفلام البطولة والأفلام التاريخية الجادة للأحداث التى مرت فى تاريخ مصر، حتى أفلام حرب 73 كانت دائماً تقترن بقصة حب أو قصة إنسانية، دون التطرق إلى الملابسات السياسية وهدف تلك الحروب.
أحببت فى فيلم الممر الصدق فى عرض الأسباب التى أدت إلى نكسة 5 يونيو 67 دون محاباة لحكم ماضٍ أو مؤسسة، بل تم تصوير الضربة الجوية التى ضربتها إسرائيل على طائرتنا المكشوفة وهى على الأرض، وكانت السبب الرئيسَ للنكسة، كما أبرزت المهانة التى لقيها جنودنا فى الأسر وانسحابهم العشوائى من سيناء وإبراز أن توقيت الانسحاب كان خطأً عسكرياً فادحاً دفعه أبناء القوات المسلحة والشعب المصرى فى ذلك الوقت.
وتذكر تلك المرحلة يهدف ألا يتكرر الخطأ مرة أخرى وحتى تعرف الأجيال التى لم تعِش هذا الحدث المؤلم- بنكسته وفساده وأكاذيبه- كيف كان؟ ولماذا تم؟ ومرارة طعمه دفعت أجيال كثيرة ثمنه الباهظ.
مع ذلك مرحلة حرب الاستنزاف من 67 إلى 70 لم تأخذ أىّ أهمية ربما لصالح قصة الفيلم التى تمت فى هذه الحقبة ذاتها، ورغم أن المصريين دفعوا كثيراً من دمائهم فى تلك الحرب وعلى سبيل التذكرة الأطفال الشهداء بمدرسة بحر البقر، وكذلك بطولات على سبيل المثال ضرب السفينة «إيلات».
ثم تأتى العملية التى يصورها الفيلم بروح الأمل والوطنية والتضحيات الكبيرة من الجيش وجميع أفراد الشعب وبجميع طبقاته وتنوعه.
وفى هذا الجزء لى- كمشاهد- بعض الملاحظات، فالمعارك والتخطيط لها مصورة بشكل جيد، والحقبة السينمائية كذلك، ورغم ذلك أرى أنه ينقصه ثلاثة أشياء:
1- الحوارات كانت ركيكة؛ فقد كانت تحتاج إلى كلمات أعمق، تصف حب الوطن المنزوف دمه، والتحلى بالصبر والمقاومة التى تحلى بها الجنود.
2- إظهار جميع الجنود بأنهم يدينون بالإسلام، ورأينا ذلك فى مشهد الدفن، وربما القصة الأصلية كانت هكذا، ولكن اعتبارات المواطنة التى تحاول الدولة ومعها المثقفون والمجتمع المدنى وكثير من أبناء الشعب غرزها- كانت تقضى بوجود عنصر مسيحى لإبراز تماسك عنصرى الأمة أمام العدو، وهذه هى الحقيقة؛ إذ إن المسيحيين والمسلمين معاً هما أصحاب الأرض؛ فقد روت دماؤهم أرض سيناء الحبيبة، وهما معاً حرروها فى 6 أكتوبر 73.
3- الحوار بين القائد الإسرائيلى والقائد المصرى الذى تطرق إلى النبى إبراهيم وابنيه إسماعيل وإسحاق- لم يكن له أى ضرورة درامية لهشاشة الحوار؛ فقد كان ينبغى الاستعانة بالمختصين القادرين على ملء هذا الجزء (إذا لزم الأمر) بكثير من الحجج السياسية والدينية.
وأخيراً، ورغم هذه النواقص، يجب أن نحيّى فريق العمل كله؛ إذ لم نشعر أن هناك ممثلين للأدوار الأولى أو الأدوار الثانية أو الثالثة، بل الجميع كان على مستوى المسؤولية، والكل امتاز فى دوره، كذلك الفنيون. وخاصة التصوير كان أكثر من رائع، جعلنا نرى سيناء أرض الفيروز من الجو والأرض، ونقع مجدداً فى غرامها، ولا نستطيع أن نغفل دور الجمهور الذى شجع بكثافة كبيرة هذا الفيلم، رغم أنه معروض فى قاعات العرض جنباً إلى جنب أفلام عالمية شائقة، ولكن نستطيع أن نقول إن الجمهور كان بحسه الوطنى على مستوى المسؤولية. والفيلم فى حد ذاته أخذ أهتماماً عربياً وعالمياً بل إسرائيلياً أيضاً، إذ إن محطات فضائية إسرائيلية عرضت إجزاءً منه معلقة: هل المصريون يشعرون بنوستالجيا لأيام الحرب؟ ولكنها لم تجد الإجابة رغم التحليلات المختلفة.
لا شك أنها تجربة كبيرة وجديدة على السينما المصرية، وعلينا أن نشجعها متمنين تكرارها بكثرة لإبراز المواقف البطولية التاريخية والحديثة التى عاشتها مصر. وبهذه المناسبة، أقترح إنتاج فيلم عسكرى كبير عالى المستوى عن حرب أكتوبر 73 وقادته والظروف السياسية وردود الفعل الدولية التى صاحبت هذا الانتصار العسكرى الكبير.
نقلا عن المصري اليوم