مَن الذى لا يحب «هند رستم»؟ مَن ينسى ملامحها وروحها؟ مَن ينسى ضحكتها وحضورها؟ مَن ينسى مشوارها الفنى وأعمالها التى صنعت منها أسطورة من أساطير السينما المصرية؟ تظل «هند» حاضرة، رغم سنوات الاعتزال الطويلة وبعدها سنوات الرحيل، يحتفظ كل منا معها بذكرى ما بداخله، إما كونها المرأة الأجمل التى شاهدتها عيناه، أو الحبيبة التى تمناها قلبه، أو الممثلة التى تمنى أن توقِّع له على «أوتجراف» خاص يحمل اسمه، أدوارها السينمائية مزيج بين سحر الأنوثة وروعة الحضور والأداء، مَن يصدق أن فتاة «ابن حميدو» هى نفسها «هنومة» باب الحديد؟! من يصدق أن «كريمة» فى «رُد قلبى» هى «شفيقة» فى «شفيقة القبطية» أو حتى سيدة «الخروج من الجنة»؟! «هند» تنتمى لزمن صنع من رموزه أبطالاً لحكايات تتوارثها الأجيال، و«هند» واحدة من تلك الحكايات، التى تحتفل «الوطن» اليوم بذكرى رحيلها الثامنة، لنفتح دفتر حكايتها ونحاول التعرف بشكل أقرب على ممثلة ونجمة، ظل حب الجمهور واحترامه محيطاً بها طوال سنوات عمرها، سواء قبل الاعتزال أو بعده، وهو ما دفعنا للذهاب إلى ابنتها الوحيدة «بسنت رضا» لتروى لنا جزءاً مهماً من سيرة والدتها، لنكشف عن وجه قمر لا يعرف الغياب.

 
تمر اليوم ثمانى سنوات على رحيل فنانة بحجم وبقيمة الراحلة «هند رستم»، وهى الذكرى التى تحييها «الوطن» من خلال حوارها مع ابنتها الوحيدة «بسنت رضا» لنقلب معها فى مذكرات والدتها لنتعرف بشكل أكبر على حياة الراحلة «هند رستم» عن قرب، ونكتشف مناطق إنسانية جديدة بداخل فنانة عاشت مخلصة لفنها وجمهورها، ورحلت وهى تتبعها دعوات محبيها واحترامهم لها.
 
 
تحدثت بسنت لـ«الوطن» عن الأيام الأخيرة فى حياة الفنانة الكبيرة، وعن هند الأم والإنسانة وعلاقتها بالوسط الفنى والحياة العامة، وبأفراد الأسرة، وكواليس اعتزالها، كما كشفت بسنت عن أسباب رفضها الظهور قبل رحيلها كضيفة بالبرامج الفضائية، كما كشفت عن أحب أعمالها إليها، وأبرز هواياتها والكثير من الأسرار التى ترويها ابنتها لأول مرة..
 
كيف عاشت هند رستم أيامها الأخيرة قبل رحيلها؟
 
- كنت أسمع أن الإنسان يشعر بقرب أجله لكنى لم أكن أصدق، وأذكر أنه قبل رحيلها بأسبوع، وكنا فى أول يوم فى رمضان، قالت لى جهزى لى مدفن جدى، فاستغربت،وخاصة أنها لم تكن تعانى من أى مرض، لكنها أصرت، وقلت لها سأفعل بعد رمضان، ثم طلبت منى توزيع ما عندها من «مصاغ» على ميدو ابنى والأحفاد آدم وزياد، واستغربت أكثر وطلبت منها تغيير الموضوع، وفى اليوم الثانى فوجئت بها تقول لى: أنا كلمت نبيلة عبيد ونادية لطفى، وماجدة، وغيرهم، وقلت لهم «كل سنة وأنتوا طيبين.. كويس كده؟!»، ويوم الأربعاء كلمتها إلهام شاهين، وأخبرتها أن تدعوها لتناول الإفطار معها يوم الجمعة، وماما وافقت، وفى اليوم التالى لاحظت أن ماما بدأت تكح كحة غريبة، وقلقت لأنها عاملة عملية فى القلب، فكلمت الدكتور وأخبرته بالموضوع فقال «بلاش دلع»، وتحت إلحاحى، طلب أن يفحصها يوم الجمعة، وقرر الدكتور أن تبيت فى المستشفى، وركب لها أوكسجين، إلا أنها بدت غير مستريحة، ونزعته، وشعرت بضيق تنفس، وفى اليوم الثانى أدخلها الطبيب العناية المركزة، وبعد الفحص قرر الدكتور خضوعها لغسيل كلى، وبعدها طلبت رؤية ميدو ابنى، وبعدها دخلت فى غيبوبة، ورحلت بعدها عن عالمنا.
 
 
عشت كل حياتى معها بعد انفصالها عن والدى.. لكنها لم تحرمنى منه           
ماذا تعلمت منها كأم وإنسانة؟!
 
- أمى كانت خليطاً من الحنان والطيبة والشهامة والعصبية والعند، وأطلق عليها رواد المزادات التى كانت تتردد عليها «عند رستم»، أما كأم فكانت رحمها الله أماً فى كل الأحوال، رغم أن الفنانين بيكون موضوع الأمومة أصعب لطبيعة عملهم، ولكن والدتى كانت أماً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالرقابة فى المنزل كانت شديدة، ولأنى ابنتها الوحيدة فكانت تبالغ فى الخوف علىّ، وأحياناً كنت أسافر معها للتصوير خارج مصر، حتى لا أغيب عن عينيها.
 
ما أغرب ما تذكرينه خلال وجودك معها فى لوكيشن التصوير؟
 
- آخر مشهد فى فيلم «باب الحديد» كان المفروض أنها ستقفز من القطار، وبالفعل قفزت، وسقطت على ظهرها، لكنها أكملت تمثيل المشهد، لكنها لم تستطع القيام من مكان التصوير، وتم نقلها لأحد المستشفيات، وللحقيقة فهى كانت تعترف أن «باب الحديد» من أكثر الأفلام التى أرهقتها.
 
ما أهم الصفات التى كان يكتشفها كل من يتعامل معها عن قرب؟!
 
- الصرامة والحنية والكرم، ورغم ذلك لم تكن مبذرة فى تعاملاتها المادية معى، وكانت تقول لى أنا بعلمك «النهارده فيه.. ممكن بكرة مفيش»، فلم أكن مدللة أو زى ما بيقولوا «الحبل سايب» كما يعتقد البعض عن حياة أبناء الفنانين والفنانات، بل كان فى ذهنها أن يقال عنى وعنها إنها «عرفت تربى»، فقد صرت جدة وقت حياتها، ولم أضع ساقاً فوق الأخرى أمامها ولو لمرة واحدة، فهى كانت راقية فى تعاملاتها، وتحولت علاقتنا للصداقة عندما كبرت، كما أنها كانت «جدة» طيبة للغاية، وكانت تحب ابنى محمد بشكل كبير، وهى التى قامت بتربيته معى.
 
بسنت رضا: أمى عاشت مع زوجها على طريقة"سى السيد وأمينة"
كيف أثر انفصالها فى فترة مبكرة على علاقتك بوالدك؟ وكيف كانت علاقتها بزوجها؟
 
- طوال حياتى كنت أعيش معها، ولم أسكن مع والدى إطلاقاً، ولكن أمى لم تحرمنى منه أبداً، ولا أتذكر أنها قالت لى مرة واحدة لا تذهبى لرؤية والدك، ولا حتى منعتنى عن أشقائى الستة من والدى، بل كانت رحمها الله تحبهم جداً، وهم أيضاً كانوا يبادلونها نفس الشعور، أما عن علاقتها بزوجها الدكتور محمد فياض فكانت علاقة شديدة الرقى، فزواجهما استمر لأكثر من 50 سنة، فهى كانت تحبه بشدة وتهتم بكل ما يخصه، فتستيقظ صباحاً قبله، لتقف على تجهيز ملابسه واحتياجاته بنفسها، لدرجة أنها كانت تقوم بتلميع حذائه بالورنيش بنفسها بمنتهى الحب، وعندما كان يغادر المنزل كانت تسير خلفه وهى تدعى له مثلما كانت تفعل «أمينة» مع زوجها «سى السيد».
 
ألم تحاول أن تقنعك بالاتجاه للتمثيل من خلال الظهور معها فى أعمالها؟
 
- لم يحدث ذلك، خاصة أنها لم تجد منى أى إقبال على الأعمال الفنية، رغم أن والدى مخرج وسيناريست، وكنت أحياناً أذهب معه هو أيضاً إلى الاستديو، ولكننى لم يكن عندى أى ميول فنية، وهو ما دفعنى إلى دراسة التجارة بجامعة القاهرة، أعددت دبلومة فى السكرتارية من الجامعة الأمريكية وعملت فى أحد البنوك، ولكن بعد إجراء والدتى عملية القلب المفتوح بالولايات المتحدة الأمريكية منتصف الثمانينات، فضلت الجلوس معها ولم أعد للعمل من وقتها.
 
ولماذا كانت مقلة فى الظهور وحضور المناسبات الفنية والاحتفالات العامة؟
 
- لم تكن تهتم بحضور هذه المناسبات على الإطلاق، وتقول لى: ما بحبش، فقط كانت تذهب لحضور المهرجانات الرسمية إذا كانت من ضمن الأسماء المكرمة بها، فهى اعتزلت بعد أن تخطى عمرها الأربعين بقليل، وكانت فى عز مجدها الفنى، والسبب الرئيسى لاعتزالها أنها كانت «بيتوتية»، فكانت أحياناً لا تخرج من البيت لمدة 3 شهور متواصلة، دون أن تشعر بالضيق، وكانت متعتها فى لمة البيت والأصدقاء وتناول الأكل معهم، لذلك كانت تحب شهر رمضان وطقوسه لأنه يجمع أفراد الأسرة يومياً على مائدة واحدة.
 
وماذا عن علاقتها بالمطبخ؟
 
- كانت طباخة ماهرة جداً، خصوصاً بعد اعتزالها وتفرغها لحياتها الخاصة، وكان من أهم الأكلات التى تجيد صنعها الكشك وفتة الكوارع والحمام، وكانت تحرص خلال «العزومات» الخاصة بزوجها «أونكل» فياض على أن تقوم بإعداد كل كبيرة وصغيرة بنفسها، دون أن تعتمد على أى شخص ليساعدها.. كانت سيدة منزل نموذجية وراقية وتقدس أسرتها وحياتهم الخاصة.
 
كيف كانت علاقتها بزملائها بالوسط الفنى بعد اعتزالها؟
 
- كانت علاقتها بهم شديدة الخصوصية، فكانت خلال مشاهدة أفلامهم على شاشة التليفزيون، تشاهدها بعين الناقدة، فإذا لم يعجبها أداء أحد الممثلين تقول: «فاتك الشوت ده»، أما إذا أعجبها الأداء فكانت تحرص على توصيل رأيها للفنانين المشاركين، فإذا أعجبها مشهد لشادية مثلاً، كانت تتصل بها وتقولها كنت هايلة فى الفيلم أو المشهد الفلانى، وأذكر فى إحدى المرات اتصلت بماجدة زكى لكى تشيد بأدائها فى أحد مشاهد مسلسل «عباس الأبيض»، وبحثت عن رقمها وكلمتها وقالت لها: انت ممثلة عظيمة!
 
ومن كان حريصاً على زيارتها من نجوم الوسط الفنى؟
 
- كان بيتها مفتوحاً دائماً لأصدقائها وصديقاتها من الوسط الفنى، ومنهم نبيلة عبيد، ماجدة، مريم فخر الدين، وذلك على فترات ليست بعيدة.
 
ابنة الفنانة الراحلة تفتح صندوق أسرارها: رفضت بطولة "أبى فوق الشجرة" والعندليب "زعل" منها
وماذا عن أحب أعمالها إليها؟ وهل هناك أعمال شهيرة رفضتها؟!
 
- كانت تحب الكثير من أفلامها مثل (امرأة على الهامش، شفيقة القبطية، صراع فى النيل، باب الحديد)، وكانت تحب جداً فيلم «الزوج العازب»، ولم تكن تحب فيلمها «أنت حبيبى» نهائياً، أما عن الأعمال التى اعتذرت عنها، فقد رفضت المشاركة فى فيلم «أبى فوق الشجرة»، بسبب أول مشهد لها فى الفيلم، لأنها كانت ستؤدى دور الفنانة نادية لطفى، وطلبت من حسين كمال تغيير فكرة وضع مرآة صغيرة فى حزام بدلة الرقص، ورفض كمال، فتركت الفيلم، وعبدالحليم زعل جداً وقتها، بالإضافة إلى أنها لم تكن متحمسة للدور بسبب أنها سبق وقدمت دور الراقصة فى فيلم «شفيقة ومتولى»، كما أنها تحفظت على كثرة القبلات بالفيلم، التى وصل عددها إلى 70 قبلة!
 
وهل كانت تحب فيلم الزوج العازب لصداقتها بفريد شوقى؟
 
- فى الحقيقة هى كانت تحب فريد شوقى على المستوى الإنسانى والمهنى جداً، وعندما كانت تعرف أن عندها فيلماً معه تكون فى قمة سعادتها، وهو أيضاً كان يبادلها نفس الشعور، وكان يستشيرها فى كثير من أموره الخاصة، وأذكر أنى لم أختلط بأحد من الفنانين فى صغرى إلا فريد شوقى وهدى سلطان عندما تزوجا، وكانت والدتى تسمح لى بالمبيت عندهما.
 
ومن بخلاف فريد شوقى كانت تحبهم وتقدرهم؟!
 
- هناك عماد حمدى ورشدى أباظة، وكانت ترغب فى زيارته بشدة خلال وجوده فى المستشفى قبل وفاته ولكن رشدى رفض، لأنه لم يكن يريد أن يراه أى شخص فى مرضه.
 
ولماذا لم تقدم أى مسلسل تليفزيونى خلال مسيرتها أو حتى عمل مسرحى؟
 
- كانت ترغب فى تقديم أعمال درامية، وعرض عليها بعض الأعمال وتحمست لأحدها، ولكن للأسف المشروع لم يكتمل، أما بخصوص المسرح، فعُرضت عليها بطولة مسرحية «مدرسة المشاغبين»، لكنها تخوفت من قوة الثلاثى الكوميدى بالمسرحية، وأذكر أنها تحدثت مع سهير البابلى بعد عرض المسرحية تليفزيونياً وأبدت لها إعجابها الشديد بدورها.
 
لماذا لم تكن تظهر فى البرامج الفضائية؟
 
- أذكر أن هالة سرحان قدمت لها شيكاً على بياض وقالت لها اكتبى المبلغ اللى أنت عاوزاه، من أجل الظهور معها فى برنامج على قناة دريم، إلا أنها اعتذرت، وأيضاً حاولت معها صفاء أبوالسعود، وقالت لها اطلبى المبلغ الذى يرضيك، ولكنها اعتذرت أيضاً، ووافقت فقط على الظهور مجاناً فى برنامج بالتليفزيون المصرى.
 
ولماذا وافقت على الظهور مع محمود سعد؟
 
- فى البداية عرض عليها محمود سعد الظهور معه فى برنامجه، ووافقت واشترطت عليه فقرة صغيرة مسجلة وتكون صوتاً فقط بدون صورة، ووافق محمود سعد وجاءت سيارة التليفزيون إلى منزلنا، وخلال تجهيز المعدات للتسجيل الصوتى جلست معها على انفراد وتحدثت معها، وطلبت منها الظهور فى البرنامج بالصوت والصورة، لأن الجمهور لم يشاهدها منذ سنوات طويلة ولا يوجد لديهم أى ذكرى عنها فى هذه السن، ووافقت على الظهور فى حلقة البرنامج رغم أنها لم تستعد بوضع المكياج أو حتى الكوافير، وفرح يومها محمود سعد، وكان هذا اللقاء قبل وفاتها بثمانية أشهر.
 
كانت تكره لقب "ملكة الإغراء"
وهل كانت تحب لقب «ملكة الإغراء»؟
 
- لم تكن تحبه مطلقاً، وكان ترى أنه يحصرها فى مكان ضيق، فكانت تقول: الذى يقول عنى «ملكة الإغراء» لم يشاهد أفلامى، فهى ترى أنها قدمت أدواراً بها تمثيل متميز بعيداً عن الإغراء. ولم يضايقها لقب مارلين مونرو الشرق، أو ريتا هيوارث مصر.
 
هل توافقين على تقديم سيرتها الذاتية فى مسلسل؟ ومن ترشحين لبطولته؟!
 
- أعتقد أن حياتها عادية وليس بها أحداث درامية تستحق تقديمها فى عمل درامى، وكانت حزينة بسبب فشل مسلسل «السندريلا» وأنا لست مع تقديم عمل عن سيرتها الشخصية، ولكن الممثلة التى أرى أنها تشبه والدتى فأرى أن ياسمين صبرى تشبهها لحد كبير فى مرحلة شبابها.
 
اعتزالها
قرار الاعتزال جاء لعدة أسباب، أولها تراجع السينما بشكل ملحوظ فى نهاية فترة السبعينات وسيطرة سينما المقاولات، كما أن آخر فيلمين لها مع الوجوه الجديدة تضايقت بشدة من عدم الالتزام بالمواعيد خلال التصوير، وهو ما اعتبرته عدم احترام للمهنة، أما السبب الثانى فى قرار الاعتزال فكان ميولها «البيتوتية» ورغبتها فى التفرغ لرعاية أسرتها، وعن نفسى حاولت إثناءها عن القرار إلا أنها كانت مصرة عليه وترفض التراجع عنه.