عاطف بشاي
يقدم كتاب الصديق «أيمن الحكيم» (الفن الحرام- تاريخ الاشتباك بين السلفيين والمبدعين) ليرصد من خلاله جولة من جولات معركة طويلة مريرة بين المبدع الشيخ.. المفكر والفقيه.. بين عاشق الحياة ومبتغى الآخرة.. ويحتوى الرصد على توثيق للمعارف الكبرى بكل ما تضمنته من تفكير وإهدار للدم وفتاوى متفجرة وآراء صاخبة ومواقف عصيبة ونهايات قاسية.. بالوثائق يستعرض وقائع تكفير «يوسف شاهين» بسبب فيلم.. و«مارسيل خليفة» بسبب قصيدة.. و«أمل دنقل» بسبب بيت شعر.. و«عبد الوهاب» بسبب أغنية.. و«ذكرى» بسبب تصريح صحفى.. و«نجوى كرم» بسبب شائعة.. و«يوسف وهبى» بسبب حلم سينمائى.. كما يرصد فتاوى تحريم مطربة بحجم «أم كلثوم» وفيلم فى قيمة «الرسالة».
وفى الفصل الخاص بالدكتورة «نوال السعداوى» تلك المفكرة الكبيرة المتمردة التى أوقعها تمردها الفكرى فى صدامات ومعارك ضارية، سواء مع السلطة السياسية أو الدينية ودفعت الثمن سنوات طويلة من السجن والنفى والحصار وتشويه السمعة والاتهام بالتكفير.. يتحدث عن تاريخها الحافل من النضال من أجل أفكارها، ولن يكفى مقال واحد للحديث عنها.
الكتاب ممتع ومثير، ويطرح دفعة واحدة حزمة من القضايا المهمة المسكوت عنها، وتقتضى الأمانة الفكرية، وشرف المقصد.. ونبل الهدف أن يتم تفجيرها وإلقاء الضوء على أهمية رصدها ومناقشتها فى مجتمع تراجع وتخلف وتمزق وأصابته الردة الحضارية جعلتنا نختلف حول مسلمات.. وننتشابك حول بدهيات.. ونتعارك حول شكليات.. ويحرق كل منا ثياب الآخر فى معارك متدنية وحقيرة لا تليق ببشر يعيشون فى عصر الازدهار العلمى والتحضر الإنسانى والحرية البشرية غير المحدودة.
أما الدكتورة «نوال السعداوى»، فهى تعيش الآن محنة آلام المرض والشيخوخة فى شجاعة وترفع.. تعانى فى وحدة وكبرياء.. فهى زهرة لوتس لا تنحنى.. صحيح أنها- كما جاء على لسانها فى مقالها الأخير فى المصرى اليوم تنعى الزمن الضنين الذى جردها من الطمأنينة ووسائل الراحة- ففى نهاية العمر، وقد أفنت نفسها فى الكتابة لتحرر العقل من عقاله.. وتطلق سراحه ليحلق فى السماء.. ويكسر القيود.. ويبدع فى مجالات العلم والفكر والفن.. لا تجد من يرعاها فى مرضها؛ حيث تخدم نفسها بنفسها عاجزة عن دفع أجر ممرضة أو طاهية لأنه يساوى معاشها بالكامل.. وتفسر ذلك مرددة فى شموخ: «لأننى تمسكت بنفسى الحقيقية.. ولم أتاجر فى سوق الطب والأدب.
أما الطبالون والزمارون والأفاكون والمتسلقون والأدعياء المخادعون وجوقة المنتفعين والمحتالون الذين يستبدلون الأقنعة.. ويتحولون من تيار إلى تيار.. ومن مذهب إلى مذهب.. ولاعبو الثلاث ورقات وتجار الدين.. وفقهاء التكفير والمصادرة والتحريم.. ورؤساء جامعات الفضيلة المستباحة والأخلاق المرعية.. وبائعو الوهم والخرافة والدجالون.. وإعلاميو الصدفة وصناع الردة الحضارية.. وأهبش الفرصة هبشا.. هؤلاء هم الذين يحصدون الملايين.. وينعمون فى ترف وأضواء سفهاء المجتمعات المخملية».
لكن نوال السعداوى تؤكد فى إصرار وعزيمة وإرادة عاتية.. ونفس أبية أنها لا تندم أبدًا.. وستواصل الكتابة.. وحتى آخر رمق.. وستظل تقفز فوق الأسلاك الشائكة وأسوار التابوهات العالية والموروثات الزائفة.. والمسلمات المتخلفة.. وترتاد المناطق المفخخة وتتجاوز الخطوط الحمراء.. ويقودها تمردها الفكرى إلى خوض المزيد من المعارك الضارية التى حصدت ثمارها اضطهادا ونبذا وتشويها للسمعة.. واتهامات حقيرة بالزندقة وترويج الانحلال والإباحية..
والانفلات والتفسخ الأخلاقى باسم الحرية والتقدم والرقى والتنوير.
نقلا عن المصرى اليوم