سحر الجعارة
يستحق الدكتور «سعد الدين الهلالى»، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن ننصت جيدًا لكل كلمة يقولها، لأنه يختارها بدقة متناهية ويهدف - من خلالها - لتوصيل «رسالة» محددة للمسلمين.. يستحق أن يختبئ البعض خجلًا مما روّجوا له وشوّهوا به وجه الإسلام من فتاوى: (وطء البهيمة والمتوفاة ومفاخذة الصغيرة وتكفير الأقباط)، وأن يتضرعوا إلى الله ليرفع عنهم الجهل ويغفر لهم تسييس الدين وتوظيفه على مقاس مصالحهم الضيقة وانتماءاتهم السياسية. هذا «العالم المجدد» أصبح شوكة فى حلق كل متطرف أو إرهابى يتخفى خلف اللحية و«المنصب الفخم»، أصبح معول هدم لمؤسسات بَنَت أمجادها بِلَبِنات الجهل والتغييب والخرافة، ونفى الإنسان من خريطة الحياة ليصبح درويشًا أو «جنديًا» فى صفوف الإرهاب وحلقات التسبيح باسم «التراث»!. ولهذا ستجد «كتائب» مجندة لطعن الدكتور «الهلالى»، ورفع سيوفهم المسمومة (وليست لحومهم المسمومة) فى وجوهنا، لنظل فى متاهة التعبد بآراء الفقهاء، وهم بشر، منهم من يصيب ومنهم من يخطئ.. فنترك القرآن والسنة تقديسا لبشر مثلنا!.
«العالم الإصلاحى» اختار لبرنامجه عنوان: (كن أنت - الإجابة عندك).. وعندما تلتقى به عن قرب تسمعه بصوت مهذب، يعكس أخلاقه الرفيعة، يقول لك: (لست وصيًا على البشر).. وفى المقابل ستجد الجوقة تزمجر وتزأر: (نحن وكلاء الله على الأرض).. الجوقة تصرخ دفاعًا عن «بيزنس الدين» لتصم آذاننا عن أى صوت يخالف «إجماع الفقهاء».. الذين لم يعاصروا نزول الوحى، وقطعًا لم يتلقوه، ففريق الغربان يود أن يكرس فهمه للدين ليصبحوا (فقهاء أو ملالى السنة). فى الحلقة 29 من برنامج «كن أنت»، أثار الدكتور «الهلالى» مجددا قضية «الحجاب»، والتى سبق أن فندها على الهواء مباشرة مع الإعلامى «عمر أديب» بعد عاصفة من التهديد والتشهير تتكرر دائما كلما أراد «الهلالى» نسف الخطاب الدينى القائم على إقصاء النساء والأقباط، وتحويل المرأة إلى «جارية» تباع فى أسواق النخاسة التى وضعنا فى مصر إطارها النظرى ونفذها تنظيم «داعش». لن أتدخل فى محتوى الحلقة، فقط على كل تيار الاستنارة أن يقف احترامًا لهذا العالم المخلص لدينه، وأن يعرف أن بوصلة التحول تبدأ من عنده، وأنه يسكن دائما فى فوهة البركان يعانى وحده الحرائق التى تشتعل فى سمعته، وتحاول اغتياله معنويا، وأن يعلم الجميع أنه آن الأوان لتلتئم حبات المسبحة حول هذه الماسة النادرة.
لقد كان الإمام «محمد عبده» أحد رموز التجديد فى الفقه الإسلامى ومن دعاة النهضة والإصلاح فى العالم العربى والإسلامى، وتم تعيينه عام 1899 مفتيًا للديار المصرية. نحن أمام تكرار لظاهرة الإمام «عبده»، ولكن السؤال: لماذا لا تستفيد الدولة من «إمام إصلاحى» مثل الدكتور «الهلالى»؟.. لماذا نتركه وحيدا بلا سند يحميه من خفافيش الظلام، فلا يجد حصنًا آمنًا إلا جماهيريته الواسعة. نعلم جميعا أن الرئيس «عبدالفتاح السيسى» طالب رموز «الأزهر الشريف» والمثقفين والإعلاميين والنخبة السياسية بتصويب الخطاب الدينى القائم على الجمود والتخلف، والركوع لأصنام وهمية من التراث وكأننا فى «متحف الشمع».. نعلم أيضا أن قمة «هرم السلطة» عليه رسم السياسات العامة لكنه ليس مطالبا بالتنفيذ.. وأن الرئيس يملك سلطات واسعة لتحريك القوات المسلحة لمحاربة الإرهاب.. لكنه يحتاج إلى «جيش مدنى» لإحداث ثورة فكرية تحارب التطرف الذى يغذى ماكينة «دعاوى الحسبة» وتكفير التنويريين!. نحن نحتاج إلى نشر «الوعى» كما قال الدكتور «سعد» لنخرج من مقبرة الفكر الظلامى، نحتاج إلى «الأخلاق».. إلى «أنسنة الأديان»: (الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون دولة أو قضاء وقانون يحميه فى الوقت الحاضر، والخروج عن الجماعة أو مخالفة القائد يعد تهديدًا للمنتمين لها، بخلاف الدولة التى يعيش الإنسان سيدًا داخلها، لأنه من يختار الرئيس ويوافق على القوانين والدستور). لابد أن ندرك هويتنا الدينية التى تبين طبيعة الدين، والتى قسمها د.«الهلالى» إلى: («دين ربانى» وهو لكل الإنسانية، كما أنزله الله، و«دين صناعى» ابتدعه الإنسان مثل بعض الطوائف التى تمثل السلفية والجماعات وغيرهما).. إنه الفخ الذى يقع فيه المسلم حين يقدس «أصنام التراث» فيهجر «الربانى».. إلى «الصناعى» !.
كم نحن بحاجة إلى الدكتور «سعد الدين الهلالى»!.
نقلا عن المصرى اليوم