صلاح الغزالي حرب
يعترينى شعور مؤلم بالأسى والخوف على مستقبل هذه الأمة.. ففى الوقت الذى يبذل فيه رئيس الدولة جهودا جبارة لبناء مصر الحديثة نجد على الطرف الآخر، وهو الأكثر أهمية، تدهورا ملحوظا فى بنية الإنسان المصرى الثقافية والعلمية والدينية، وبكل أسف يلعب الإعلام فى الآونة الأخيرة دورا شديد السلبية فى هذا الاتجاه ويكفى مثالا ما شاهدناه فى إعلام شهر رمضان الأخير، واليوم أتحدث عن الثقافة الدينية وفلسفة التدين الذى يمثل ركنًا أساسيًا فى الشخصية المصرية على مدى العصور، فهناك تغلغل واضح وخطير للفكر المتعصب والمتحجر فى الكثير من الزوايا والمساجد، خاصة فى دلتا مصر وصعيدها يقوده ما يسمى التيار السلفى فى غيبة شبه تامة من أجهزة الدولة ورجال الأزهر.
إن السلفيين الذين وصفهم شيخ الأزهر بأنهم خوارج هذا العصر هم أخطر على الدولة من جماعة الإخوان الإرهابية وهم فى مجموعهم مجموعة من المتشددين الذين استطاعوا منذ منتصف السبعينيات تحجيب النساء وتنقيبهم، وكأن سيدات مصر الفضليات قبل هذه الفترة كانوا من العصاة غير الفاهمين لدينهم، وتبع ذلك محاولة الفصل بين الجنسين وتحريم الغناء وهدم الأضرحة وكراهية الأقباط وغيرها من الأفكار الهدامة التى تتعارض كلية مع الإسلام الحنيف الذى نعرفه، وسوف أقترب قليلا من بعض رموز هذا التيار الذين يعيشون بيننا لإلقاء الضوء على خلفياتهم العلمية والدينية، أحدهم من قرية حوين بكفر الشيخ خريج كلية الألسن جامعة عين شمس بتقدير امتياز ثم اتجه إلى السعودية وتتلمذ هناك.
والآخر حاصل على ماجستير طب الأطفال من جامعة الإسكندرية وليسانس الشريعة من جامعة الأزهر. وغيره حاصل على بكالوريوس إعلام من جامعة القاهرة ثم تتلمذ هو الآخر على يد أحد شيوخ التطرف الفكرى.
وغيره بكالوريوس خدمة اجتماعية من جامعة حلوان ثم حاول أن يكون مطربًا وملحنًا، ولكنه أصيب بالتهاب فى الأحبال الصوتية فاتجه إلى السعودية وعاد باسم داعية إسلامى.
لقد اعتمد هؤلاء بهذه الخلفية الضحلة ثقافيًا ودينيًا فى عملهم الجديد على انتشار الأمية والجهل وضعف الثقافة الدينية فراحوا ينشرون أفكارهم المسمومة بين الشباب، وهو ما أفرخ لنا أجيالًا كاملة لا تعرف من الإسلام إلا القشور وإلا ما هو شاذ وغير متفق عليه ويتنافى مع الفطرة السليمة، ومن هنا ظهر الإرهاب الأسود الذى نعانى منه حتى الآن
وإذا رجعنا إلى دستور الإسلام – القران الكريم – وهو المرجع الأول لكل المسلمين فماذا نجد؟ (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) و(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) و(فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها) و(إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وغيرها من الآيات الكريمة التى تدعو إلى العدل والتسامح واحترام الآخر، كما تدعو إلى العمل والجد والاجتهاد وكشف أسرار الكون (سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) فأين نحن من هذا الإسلام؟ ولمصلحة من ترك هذه المجموعة تخرب عقول الشباب وتسىء إلى الدين؟ إننى أطالب كل أجهزة الدولة بوضع حد لهذا التغلغل المسموم والممول من الخارج، وعلى رجال الأزهر الذين نجوا من مصيدة هذا الفكر المشوه أن يبذلوا أقصى جهدهم من أجل إعادة الوجه المشرق الصحيح للإسلام السمح، كما أطالب بإلغاء الأحزاب ذات الصبغة الدينية طبقا للدستور اليوم وليس غدا، وأختم بقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام (هلك المتنطعون) وقوله (إياكم والغلو فى الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو فى الدين) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نقلا عن المصرى اليوم